هل يحتاج المغرب حكومة كفاءات ؟

16 أغسطس 2019
هل يحتاج المغرب حكومة كفاءات ؟

بقلم: المعطي منجب

ينشغل بال جزء كبير من المغاربة منذ خطاب الملك الاخير بقضية بحث سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة عن بروفيلات وزارية ذات كفاءات عالية. كما ظهرت الكثير من المقالات الصحافية التي تجتهد في التخمين حول هوية من سيغادر الحكومة من «منعدمي الكفاءة» ومن سيدخلها من الاختصاصيين القادرين على إخراج المغرب من الأزمة العامة الخانقة التي يعيش فيها منذ سنوات.

كل هذا يعطي بعض الأمل لجزء من الرأي العام. والغريب أن هذا الأخير قد نسي أن جزءا لابأس به من الحكومة قد أُعفي سنة 2017 من منصبه لنفس الأسباب، أي انعدام الكفاءة أو الفشل في تنفيذ السياسات القطاعية المهمة كالتعليم والصحة أو مشاريع تنمية محلية كمشروع منارة المتوسط. نسي هذا الجزء من الرأي العام كذلك أن هذه الاعفاءات والتي سماها البعض بالزلزال السياسي لم تغير من أحوال المغرب في شيء بل أن الازمة قد ازدادت عمقا خلال السنة الجارية.

ومن بين تمظهرات هذه الأزمة التدهور غير المسبوق للتعليم والصحة وتعدد الاحتجاجات والإضرابات التي دامت أحيانا أشهرا طويلة. السؤال الذي يمكن أن نطرحه الآن هو هل أزمة البلاد الحقيقية نابعة من انعدام الكفاءات التقنية في الحكومة؟.

أي مُطّلع ولو مبتدئ على شؤون السياسة سواء في المغرب أو خارج المغرب، يعرف طبعا أن الجواب هو لا.

فالمطلوب من الوزير أي وزير، بل ومن رئيس الحكومة نفسه هو التوفر على المشروعية السياسية والاجتهاد في تطبيق برنامجه الذي وعد به الناس الذين صوتوا له أو لحزبه وليس الكفاءة التقنية. فلو كانت الأمور بهذه البساطة «التقنية» لوضعت الحكومات الديمقراطية الناجحة في البلدان المتقدمة على رأس وزارة الصحة أحسن طبيب بالبلاد، وعلى رأس وزارة الفلاحة أفضل مهندس زراعي وعلى رأس وزارة التعليم والثقافة أول استاذ أو المثقف الذي ألف أكبر عدد من الكتب. إن تجربة البشرية خلال القرون الأخيرة تبرهن على أن الحاكم الكفء الوحيد – سواء كان شخصا ذاتيا أو معنويا-، هو ذلك الذي يحكم في صالح الأغلبية. كما أن هذه الأخيرة هي من تراقبه إذ لا يستطيع الوصول إلى مركز القرار إلا بإرادتها كما لا يقدر على الاستمرار في التحكم في مصيرها إلا إذا صوتت من جديد لصالحه، ونظرا لنجاح سياساته، في انتخابات عامة ودورية. هذا ما يسمى ربط المسؤولية بالمحاسبة وهذا أهم مبدأ من مبادئ الحوكمة الرشيدة. إن المسؤول السياسي في البلدان الديمقراطية يعلم أن عليه أن يؤدي الحساب في يوم معروف مسبقا وأن «القاضي» الذي سيعاقبه أو يجازيه هو الشعب أي الناخبة، ولهذا فإن هذا المسؤول أو الوزير سيختار أفضل الاختصاصيين وأوفى الناس في الالتزام بالمصلحة العامة، لينفذوا برنامجه الذي صوتت عليه الساكنة بكل حرية وعن وعي ومعرفة، مادام الإعلام في الأنظمة الديمقراطية حرا والاقتراع تعدديا.

ولنتذكر أن التاريخ السياسي للمغرب المستقل يبرهن على أن أقل الحكومات كفاءة وشعبية كانت هي حكومات عبد الكريم العمراني التكنوقراطية بين السبعينيات وأواسط التسعينيات والتي انتهت باعتراف الحسن الثاني أن المغرب على حافة الهاوية أو ما سماه بالسكتة القلبية. لنتذكر أيضا أن من أقل الوزراء كفاءة في حكومة عباس الفاسي (2007-2011) هم بعض الوزراء «اللاسياسيين» الذين سموا تكنوقراطا.

لنتذكر كذلك أن المرحلة التي كانت الأقل أمانا في تاريخ المغرب في القرن العشرين هي تلك المرحلة التي تكلف فيها الأمنيون التكنوقراط بتدبير الأمن السياسي المغرب بين 1965 و1972 والتي انتهت كما هو معروف بمحاولتي الانقلاب التي قادها على التوالي الجنرالان المذبوح وأفقير. إنه لا يعرف ممارسة السياسة الا السياسيون ولا مراقب لهؤلاء الا الشعب وقد استحال ناخبة تقرر في مصيرهم ومدى سلطتهم.

ولنضرب أيضا أمثلة من التاريخ العالمي الحديث، فشارل ديغول وهو عند الفرنسيين أنجح وأعظم رئيس عرفته فرنسا خلال القرن الأخير كان جنديا وشاعرا ولم يكن رجل اقتصاد أو إدارة. كما أن الرئيس تيودور روزفيلت الذي أخرج الولايات المتحدة الأمريكية من أكبر أزمة اقتصادية-مالية عرفتها منذ تأسيسها وكادت أن تقضي عليها هو رجل قانون وليس بنكيا أو رجل أعمال، كما أن نفس الرجل قاد نفس البلاد لتخرج كأكبر منتصر في أخطر حرب عرفتها البشرية أي الحرب العالمية الثانية رغم أنه لم يكن ضابطا قويا في الجيش بل عجوزا مقعدا.

إن حكمة وكفاءة السياسيين والزعماء تتجلى في ثقتهم في حكمة الشعب ووجاهة اختياره واحترامهم لإرادته وليس في مؤهلاتهم التقنية التي، ومهما كان، لا يمكن أن تشمل كل ما تشمله السياسة، أي كل شيء أو يكاد. إن التاريخ يبرهن أن أكبر كفاءة سياسية هي الحصول انتخابيا على ثقة الشعب ودعمه والاحتفاظ بهما، رغم ممارسة السلطة، من اقتراع نزيه لآخر أنزه. هذا هو ما يتيح في نفس الوقت فرض الإصلاحات والمبادرات الضرورية للنجاح في تحقيق التنمية البشرية المبتغاة وولوج الدورة الحضارية الحالية والتي عمادها قيمتا المساواة والحرية.

٭ كاتب مغربي

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق