محاربة الفساد الكبير بالمغرب.. الملك محمد السادس والقضاء في مواجهة عصابات الجريمة المنظمة

1 أبريل 2021
محاربة الفساد الكبير بالمغرب.. الملك محمد السادس والقضاء في مواجهة عصابات الجريمة المنظمة

بقلم: مراد بورجى*

يبدو أن الفزع الكبير لابد قد هزّ أركان العديد من المسؤولين وغير المسؤولين من في بطنهم شيء من حتى، بعد ذيوع خبر منع مصطفى الباكوري مدير الوكالة المغربية للطاقة الشمسية من مغادرة التراب الوطني أول أمس الاثنين 29 مارس 2021.

الأكيد أن هذا الخبر المباغت، الذي ربطه كثيرون بشكل مباشر بحركة التعيينات التي وقع عليها الملك محمد السادس والتي همت مؤسسات القضاء الأسبوع الماضي، كان المفاجئ فيه هو أن المنع طال شخصية عمومية من ثقل مصطفى الباكوري، المعروف باستقامته ونزاهته وقربه من المحيط الملكي.

والأكثر مفاجأة من هذا وذاك، هو أن يُمنع الباكوري من السفر بسبب تقرير تضمّن خلاصات رأي أبداها أحمد رضا الشامي، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.

والظاهر أن التقرير الأخير لمجلس الشامي ما إن وصل بين يدي المجلس الأعلى للحسابات، حتى بادر القضاء إلى استصدار أمر بإغلاق الحدود كإجراء احترازي لا غير في انتظار التحقيق في هذه المزاعم.

والمؤكد أن هناك دلالة مهمة من إختيار الملك لهذا الوقت بالذات لإجراء تغييرات مفاجئة في المناصب القضائية، وذلك على بعد أشهر قليلة من إنتخابات المجلس الأعلى للسلطة القضائية.

لقد عين الملك مبكرًا أعضاء جدد بهذا المجلس الدستوري وأحال القاضي مصطفى فارس، على التقاعد وعين مكانه القاضي محمد عبد النباوي، بل كلفه بالعمل، قبل كل شيء، على تلاحم مكوّنات القضاء وتكتلها ليتمكّن القضاة سوياً، ومن ورائهم إرادة ملكية قوية، من محاربة كبار المفسدين بهذه البلاد.

أمّا القرار الأهم، فهو إزاحة الملياردير إدريس جطو من على رأس المجلس الأعلى للحسابات، وخروجه من الباب الخلفي للمجلس، وتعويضه بالوالي زينب العدوي القادمة من المفتشية العامة في الداخلية، بعد إنجاز 100 مهمة تفتيش قبل الدخول السياسي المقبل، لقطع الطريق أمام فاسدين من المنتخبين من معاودة الترشح خلال الاستحقاقات الانتخابية المزمع تنظيمها بالمغرب خلال الأشهر القادمة.

إذن، من خلال هذه التطورات اللافتة ماهي الرسالة الملكية، التي يريد الملك محمد السادس توجيهها إلى الشعب؟.

وماذا يريد الجالس على العرش من وراء هكذا قرارات؟.

لعل من أهم الرسائل القوية هناك رسالة مفادها أن الوقت قد حان لتفعيل المبدأ الدستوري الشهير “ربط المسؤولية بالمحاسبة”، التي سبق أن وعد بها الملك، الشعب، عبر خطاب موجه للأمة، بسط فيه رئيس الدولة خارطة الطريق لمحاربة الفساد الكبير، الذي نخر ومازال ينخر في البلاد والعباد.

وكان لابد من الانتظار كل هذه السنوات، للانتقال بمحاربة الفاسد من سرعة إلى سرعة أقوى، بعدما تفشى بسبب قرارات إقتصادية وسياسية، اتخذتها “الحكومتان الإسلاميتان”، حكومة عبد الإله بنكيران في سنة 2014، وبعدها حكومة سعد الدين العثماني في سنة 2020، ساهمت للأسف في شرعنة نهب وتهريب الأموال.

ولعل الكل يتذكر في هذا الإطار، سنّ حكومتي العدالة والتنمية، لقانون “إبراء الذمة”، الذي أطلق عليه بنكيران، الذي كان يدّعي هو وحزبه أنهما جاءا لمحاربة الفساد، مقولته الشهيرة “عفا الله عمّا سلف”، الذي يفضي، في عمقه وجوهره، إلى معنى “عفا الله عمّن سرق”!.

ثم كان لابد للدولة أن تتسلّح برقمنة الإدارة ليتمكن القضاء من الولوج للمعلومة التي لم تكن متاحة بطريقة سلسة من قبل، بما يعني أن ملف غسيل الأموال سيتخذ منعطفًا خطيرًا بعد أن رفض السواد الأعظم من السياسيين خلال حكومة “البيجيدي” سنّ قانون الإثراء غير المشروع، كي لا يتسلح به القضاء لمحاربة الإفلات من العقاب.

ولهذا سيتسلح القضاء بالعزيمة والدفعة القوية، التي عبّر عنها الملك، لتعميق البحث في ملفات الفساد في مواجهة أي كان، مهما علا شأنه وكيف من كان.

والأهم في هذه الصيرورة، والتي ستفسح المجال أمام القضاء لتطبيق القانون، هو فتح القصر، لقناة الاتصال المباشرة بينه وبين المسؤولين المكلّفين بمتابعة وتتبّع ملفات الفساد.

الرسالة القوية اليوم من هذه التطورات، هي أنه لا أحد يستطيع الاختفاء وراء الغموض، الذي يوحي به بعض الفاسدين من أنهم محميون من فوق.

محاربة الفساد والمفسدين، اليوم، تفرضها كذلك تكلفة مخلفات الجائحة على الاقتصاد الوطني.

لقد سبق للملك أن أعلن، في خطاب للشعب، أن الدولة لم يتبقَ لديها ما تعطيه لسد رمق من فقدوا مصدر قوتهم من المواطنين العُزّل، ولم يحرّك ذلك ساكناً في “الحفنة المحظوظة، التي اغتنت غنىً فاحشاً، فيما ازداد باقي المغاربة فقراً مذقعاً كما قال ذلك الملك نفسه في خطاب ملكي سابق.

الكثير من المغاربة يلاحظون كيف تصدر التقارير عن الفساد والمفسدين، ولا يحدث شيء، اللهم إلا المزيد من تفقير الفقراء وتسمين الأغنياء…

والكثير من التقارير، تشير بأصابع الاتهام إلى عدد من مظاهر الفساد، البعض طواها النسيان، وبعضها فتحت بشأنها تحقيقات، لازالت لم تُعرف نتائجها، وبعضها لم تترتب عنها بعد المحاسبات، وأن كان مصدرها تحقيقات أمنية أو إدارية أو قضائية، أو تقارير لجان تقصي برلمانية، أو مصدرها المجلس الأعلى للحسابات.

ويكفي هنا التذكير بما كشفت عنه “الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها”، في تقريرها الأخير، خريف السنة الماضية (2020)، حين أكدت أن النسخة الحالية من الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، تخلو من عمليات تهمّ تخليق الحياة السياسية وتعزيز الأخلاقيات والشفافية في الانتخابات، وهي من المجالات المعرضة لمخاطر الفساد…

اليوم يدخل المغرب زمنا آخر، لا يبقى معه الباب مفتوحا للمفسدين للتحصن بمسؤولياتهم في القطاعات العمومية والبرلمان والأحزاب…

ولذلك، لابد اليوم أن الحدود المغربية ستكون مغلقة في وجه كل فاسد من الحفنة المحظوطة التي أثير حول كبار متزعميها سيلاً كبيرًا من اللغط إزاء ما راكمته من ثروات عبر زواج المال والسلطة وحتى الدين والسياسة، ومن بين من استغلوا غباء البعض ونهبوا كثيرا.

وللحديث عن التفاصيل بقية

نعود إليها في المقال القادم…

*مدير شبكة أيس بريس

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق