قضية الباحث خالد طحطح وأزمة الشفافية في الجامعة المغربية

4 يوليو 2019
قضية الباحث خالد طحطح وأزمة الشفافية في الجامعة المغربية

عبد السلام المنصوري

بعد التدوينات المُتواترة للدكتور الباحث خالد طحطح (الصورة)، تفجّرتْ قضية يعرفها الجميعُ، ولا يتحدّثُ عنها أحد، اللهم إلا أحاديث السر بين إخوان الصفا، وأسمار الليل بين خلان الوفا، ولا أحدَ يريدُ المُواجهة خوفا أن تتكالبَ عليه قِوى الشر

والفساد، وأن يُفوّت على نفسه فرصة قد تجودُ بها لاعبات الحظوظ وراجمات الصُّدف. وإن كان الموضوع يُشكّلُ شرارةً من حريقِ الفساد؛ الذي يلتهمُ كلّ جميل في هذا الوطن الجريح، فإن حالة خالد طحطح تعكسُ حدَّها الأعلى، مما يجعلها «حالة مدرسيّة» جديرة بالنظر والتحليل، تكشفُ لنا قباحَة الظلم، وشناعة التعسف، وبشاعة الاستهتار، وتغوُّل الفساد.. بقدر ما تكشفُ عن وقاحةِ الظالم، وصلفِ الجائر، واستهتار المُعتدي.. وهذا يعني أن الأزمة التي فجرها الدكتور خالد هي أزمة الجامعة المغربية قبل أن تكون أزمته الشخصية.. هل نبالغ إذا قلنا أنها أزمةُ مجتمعٍ مريضٍ، وقضيّة وطنٍ طاعنٍ في المأساة مُثْخنٍ بالفسَاد…؟؟.

استطاع الباحث الدكتور خالد طحطح أن يُرسّخ اسمَهُ داخل الأوساط العلمية والأكاديمية، ولم يتحقق له ذلك بمُسَاندة إعلام بائس، ولا بمُؤازرة أسماء نافذة، ولا بالتطبيل للتافهين، وتقبيل الأكتاف والأيدي والأرجل.. بل فعل ذلك بجُهد ومُكابدة، وصبر ومُجَالدة، وسَهر الليالي، ونصَب النهارات، وحرمان النفس من مباهج الحياة، والتضحية بضوء العيون أمام قذى المَصَابيح وأشعة الحاسوب. وكانت النتيجة أكثر من عشرة كتب وعشرات المقالات في مجلات مُحكّمة، ومشاركات كثيرة في ندوات ومؤتمرات ولقاءات تلفزية وإذاعية. والأجمل من كل هذا، أن هذا الكم الوفير لم يكن على حساب النوع والكيف، فكتبُهُ يعرفها المُتخصّصُون، ويرجعُ إليها الباحثون، ويستفيدُ منها الطلبة والقرّاءُ وعمومُ المثقفين.. ويشهدُ كاتبُ هذه السطور أنه مِمّنْ استفادَ من هذه الأعمال، واستثمر بعضها فيما يكتبُ أو يُنتج.. فلماذا هذا الإمعان في الإقصاء حتى بتنا نعتقدُ أن هذا الإنتاجَ الغزير هو عِلّةُ الإقصَاء لا سببَ الانتقاء؟؟.

على كثرة ما كُتِبَ حول الموضوع من تعليقات وردود، إلا أن الأزمة تُلخّصُ في كلمةٍ مُركّبة «انعدام الشفافية»: يتم الإعلان عن مباراة بجُمَل غامضة مبهمة تحتملُ أكثر من وجه، وتقول كل شيء ولا توضح شيئا، فلا يتم تحديد الشروط المطلوبة بدقة، ولا معايير الانتقاء. وعندما يتم اختيار واحد أو أكثر لا يعلمُ المُختَارُ سَبب اصطفائِه ولا يفهمُ المَحْروم علّة حِرْمَانِه. ولا تقدّمُ اللّجَان أية توضيحات لقراراتها، أو تقاريرَ تُوضّحُ مراحلَ الانتقاء والاختيار. وكان من المفروض أن يُعْلنَ مع اسم الحاصل على المنصب، أسباب تفوقه على المنافسين، والمؤهلات العلمية التي يتوفر عليها، وكل ما من شأنهِ أن يُشْفِي صدورَ قومٍ مؤمنين بالمُنافسة الشريفة، مُعترفين بمبدأ الاستحقاق، مُعتقدين بفضيلة تكافؤ الفرص.

ـ سبق لصاحبِ هذه السطور أن قدّم في عدة مباريات جامعية، ولم يُسْتدع ولا مرّة واحدة للاختبار الشفوي، بل في مَرّات كثيرة كان يستلمُ مِلّفه العِلمي كما دفعه محفوظا مختوما، “لم تمْسَسْهُ يدُ إنس ولا جان” (كما عبّر يوما أحدُ النبهاء من الأصدقاء). وكنت أعودُ على نفسي باللوم والتقصير، وأقول مع مظفر النواب (في الذات العَطبُ)، لكن حالة الدكتور «خالد طحطح» وحالات أخرى مُشابهة وقفت عليها عيانا، جعلتني أعتذر لنفسي، وأعيدُ النظر فيما يجري في الجامعات المغربية؛ التي كنا نظن أنها محاضنُ علمٍ، ومراكزُ بحثٍ، بعيد أن يتسرّبَ إليها الفساد، فإذا هي تتفوّقُ على القطاعات العتيدة التي لها تاريخ في بيع مُقدّرات الوطن جملة وتقسيطا..

ولا أريدُ أن أغادرَ قبل أن أدْحضَ أكبرَ أكذوبةٍ تُرَوّجُ لها اللجان الفاسدة، وهي أزعومة التخصص، فأن يكتب طالب بحثا في جزئية صغيرة تنتمي إلى التاريخ المعاصر، حتى يتم اعتباره متخصصا في هذه المرحلة التاريخية، ونحن نعلم أن غاية ما انتهى إليه الباحث هو موضوع بحثه، وأنه إذا زاغ عنه قليلا أو كثيرا أضحى وجمهور القراء سواء.. إن لم يكن دونهم. ويُشْبهُ هذا المسعى ما يفعلهُ الإعلامُ الأمريكي حين يستدعي روائية إيرانية مثل “آذار نفيسي” ويُقدّمُها على أنها متخصصة في الشؤون الإيرانية من الفلاحة إلى السلاح النووي لمجرد أن أصُولها إيرانية!! في حين أن أي صحفي محترف يَعرف عن إيران ما لا يعرفهُ إيرانيو الداخل.. فما معنى أن يكتب باحث عن علاقة قبيلة الرحامنة بالمخزن في القرن 19 ثم يعتبر متخصصا في التاريخ الحديث!!!.

إن دعوة الدكتور خالد طحطح وغيرُه من المتضررين، إلى تشكل لجان وطنية، بمعايير واضحة وشفافة، وتوحيد المساطر المتبعة في الانتقاء، لهو السبيل الوحيد ليس لإحقاق الحق فقط.. بل لإنقاذ الجامعة المغربية التي أصبح وضعها يحزن الأعداء قبل الأصدقاء، وتصنف في ذيول اللوائح الجامعية المصنفة.. كل التضامن مع الباحث المجد المجتهد الدؤوب خالد طحطح..

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق