عاملات الفراولة: نتعرض للاغتصاب والاتجار بالبشر أمام تجاهل الحكومة المغربية والاسبانية

20 يوليو 2019
عاملات الفراولة: نتعرض للاغتصاب والاتجار بالبشر أمام تجاهل الحكومة المغربية والاسبانية

الصحافة _ نيويورك تايمز*

يبدو أن قضية الاعتداء الجنسي على العاملات المغربيات في حقول الفراولة الاسبانية قصة لا تنتهي. بعد الشهادات الصادمة التي نشرتها “إلبايس” الاسبانية هاهو ريبورتاج من عين المكان تنشره اليوم “نيويورك تايمز” وقد أوردت فيها شهادات قاسية لنساء يقلن إنهن يتعرض للاغتصاب والتحرش الجنسي والاتجار بالبشر وإذا اشتكين يرحلونهن إلى المغرب. الحكومة المغربية تعدهن بأنها ستغير وضعهن ولا شيء منه تغير. الحكومة الاسبانية هي الأخرى تعدهن بانها ستقدم ضامانات ولكن لا شيء تغير. الاجهاض صار روتينا في البيوت المكتظة بالنساء وجله تحت الاكراه. نساء يجلبن بمقتضى اتفاق ثنائي من العالم القروي حيث يستفحل الفقر البطالة. “نشعر اننا عبيد او اشبه بالحيوانات” تقول إحداهن.

وفي ما يلي ترجمة الريبورتاج:

قبل عام ونيف، قامت أم شابة بترك أطفالها في رعاية زوجها في المغرب، وذهبت للعمل في مزرعة للفراولة بالقرب من مدينة “ألمونتي”، على الساحل الجنوبي الغربي لإسبانيا.

كانت حاملاً في طفلها الثالث وكانت في حاجة إلى المال، مما دفعها للاعتقاد بأنها يمكن أن تربح بضعة آلاف من اليوروهات مقابل العمل لعدة أشهر، وهو ما يُجنى في غضون عام تقريبا في المغرب. إلا أنها أصبحت الآن عالقة في إسبانيا في انتظار المحاكمة، بعد أن انضمت إلى تسع نساء أخريات في المزرعة نفسها، وهي مزرعة “ضونانا” 1998 في “ألمونتي”، رفعن دعاوى قضائية بخصوص وقائع حدثت هناك، بما فيها اتهامات بالتحرش الجنسي، والاعتداء الجنسي، والاغتصاب، والاتجار بالبشر، والعديد من الانتهاكات المتعلقة بالشغل.

وعلى غرار النساء الأخريات اللواتي تمت مقابلتهن في هذا المقال، طلبت الأم الشابة أن يتم تحديد هويتها فقط بالحروف الأولى لإسمها “ل.ح” وذلك مخافة ردود فعل أزواجهن وأقربائهن وغيرهم عندما ستتم إعادة نشر المقال باللغة العربية، كما يحدث مع معظم مقالات “نيويورك تايمز” حول المغرب. وبالفعل فقد تقدم أزواج بعض هؤلاء النساء، بمن فيهن “ل.ح” بطلب الطلاق.

وقالت هؤلاء النساء إنهن في الكثير من الأحيان لا يجدن أمامهن خياراً آخر سوى تحمل سوء المعاملة، وهو ما يتفق معه الخبراء على غرار “إيمانويل هيليو”، عالم الاجتماع الذي عاين الظروف في المزارع، حيث قال : “لقد وضعن في وضع حرمن فيه من موارد الرزق، وأصبحت حياتهن الجنسية إحدى الطرق للبقاء على قيد الحياة”. ثم أضاف قائلا إن “التمييز الجنسي والعنصرية يخلقان مواقف لا تستطعن فيها تقديم الشكاوى، كما يصعب فيها إدانة علاقات القوة”.

وقالت “ل.ح” إن رئيسها بدأ في التحرش بها جنسياً بعد وقت قصير من وصولها إلى اسبانيا، حيث ضغط عليها لممارسة الجنس معها واعداً إياها بحياة أفضل وظروف عمل أفضل.

وتابعت وهي تحاول تهدئة طفلتها المولودة في إسبانيا وهي تقول: “عندما قاومت، بدأ يجبرني على العمل بشكل أقسى، وكانت الفتيات الأخريات يساعدنني عندما يصعب عليّ أن أواصل العمل”.

الآن، انتقلت إلى العيش مع النساء الأخريات في مكان طلبت الحفاظ على سريته في انتظار المحاكمة وقالت إنها تشعر بالاكتئاب و”خائفة من البحث عن عمل”.

في إسبانيا يطلق على الفراولة “الذهب الأحمر”، وهي أكبر مُصدّر للفاكهة في أوروبا حيث تشكل أساس صناعة تبلغ قيمتها 650 مليون دولار. وحدها الأندلس، حيث تشتغل النساء، تنتج 80 في المائة من الفراولة في إسبانيا.

ثمة اتفاق ثنائي بين المغرب وإسبانيا تم توقيعه في عام 2001، وتعمل بموجبه آلاف النساء المغربيات من أبريل إلى يونيو تحت دفيئات بلاستيكية واسعة حيث يقمن بزراعة الثمار وجنيها. وينص الاتفاق على أن العاملات الموسميات يجب أن ينحدرن من العالم القروي، حيث يتفشى الفقر والبطالة، ويجب أن يكنّ أمهات، لكي يرغبن في العودة إلى ديارهن، وهو ما يفعله معظمهن.

كان ينظر إلى الإتفاق بوصفه صفقة رابحة للطرفين: فهو من جهة فرصة لكسب المال بالنسبة للمغاربة الفقراء، ومن جهة أخرى وفر المزارعين الأسبان عمالة منخفضة التكلفة ما أحوجهم إليها.

وقد ظل الباحثون والناشطون الأكاديميون يشتكون على مدى سنوات من ظروف العمل في المزارع المعزولة، ولكن السلطات الإسبانية والمغربية لم تتخذ أي إجراء يذكر، أو لم تتخذ أي إجراء، على حد قول مسؤولين في النقابات العمالية المحلية.

ولكن، منذ سنة ونيف، قررت النساء العشر كسر طوق الصمت، مع العلم أنهن خاطرن بفقدان كل شيء، بما في ذلك احترام ودعم أسرهن المحافظة، وهو الثمن الذي يدفعنه اليوم، وكان من الممكن أن يُسحقن منذ فترة طويلة لولا دعم النقابات والنشطاء والأموال التي جُمعت لصالحهن عبر الإنترنت.

وفضلا عن الطلاق قالت العديد من النساء إنهن تعرضن للإهانة واللوم من طرف بعض أقربائهن وجيرانهن في المغرب. الكثير منهن قلن إنهن يعانين من نوبات الهلع الشديدة، وخلال المقابلات بكى بعضهن بينما صرخت أخريات بحنق.

كان أول من تكلم هي “ح.ح” البالغة من العمر 37 سنة، إذ قالت إنها قررت أنها لم تعد قادرة على أن تتحمل في صمت ظروف العمل القاسية، واستفحال ثقافة التحرش الجنسي، والاغتصاب في المزرعة.

وقالت في إحدى اللقاءَات: “شعرت كأنني عبدة. مثل حيوان”. لقد أتوا بنا لاستغلالنا وإرجاعنا. تمنيت لو غرقت في البحر ومت قبل أن أصل إلى إسبانيا”.

كانت أماً لطفلين تعمل كمدربة رياضية في بلدها وتسجلت في برنامج المزرعة بعد أن رأت النساء يعُدن إلى المغرب وقد وفرن 3500 دولار، أي أكثر مما يمكن أن يحققنه في بلادهن في سنة. وتقول، ومعها والنساء الأخريات، إنهن وُعدن بأشياء كثيرة، على غرار ألا يتجاوزن أربعة في كل غرفة، مع مطبخ وآلة للغسيل.

إلا أنها وجدت نفسها في غرفة مزدحمة ومكتظة بخمسة نساء أخريات، وتخبئ طعامها وملابسها تحت سريرها، وتغطي النوافذ المفتوحة بـ”الكرتون” لدرء البعوض. ولأنها لم تقم بالتدريب الذي وُعدت به، فقد كانت بطيئة في البداية لولا أن الآخريات كن يساعدنها في اللحاق بالركب حتى لا تُحرم من العمل.

مع مرور الأيام سئمت من العمل لساعات طويلة دون استراحة حتى من أجل الذهاب إلى المرحاض، كما سئمت من الاضطرار إلى استلطاف رؤسائها من أجل العمل بما يكفي لشراء الطعام، بله من التوفير. قالت إنها لم تتعرض للاعتداء، لكنها شعرت بالخوف لما رأت ما حدث للأخريات، حيث قالت إن عمليات الإجهاض كانت روتينية، وجلها مرده إلى الإكراه الجنسي.

وتابعت قائلة إن “النساء تعودن على الإساءة” كما قال نشطاء محليون إن “أي شخص اشتكي كان يرحل فوراً إلى المغرب”.

وهذا بالضبط ما حدث بعدما طلبت “ح.ح” المساعدة من نقابة عمالية محلية ومحامين. عندما وصل المحامون إلى المزرعة في 31 ماي 2018 ، بدأت العديد من النساء في الحديث عن مخاوفهن، وكلهن يتكلمن باللغة العربية في آن واحد.

طلب منهن النشطاء كتابة لائحة بالأسماء والشكايات. غادرت “ح.ح” رفقة المحامين، وبعدها بثلاثة أيام أُجبرت النساء المدرجات في اللائحة ــ أكثر من 100 ــ على ركوب الحافلات ورُحلن إلى المغرب، وبعضهن يقول إن ذلك تم دون دفع أجورهن ومستحقاتهن.

تسع نساء تمكن من الهرب مرورا فوق وتحت السياج لأن البوابة الحديدية الرئيسية كانت مغلقة، ومزقن ملابسهن وركضن في الغابة نحو “ألمونتي” التي تتواجد على بعد بضع كلمترات.

قالت إحداهن: “لقد سمعت من قبل أخبارا من هذا القبيل، لكننا كنا نعتقد أنها أكاذيب حتى عشناها بأنفسنا”. “لقد أدركنا هنا أنه عندما يشتكي الناس، يجدون طرقًا لإسكاتهم”. وقد انضمت النساء التسع إلى “ح.ح” في الدعوى القضائية.

ورغم أن حالاتهن نادرة فإنها ليست وليدة اليوم. ففي سنة 2014 قامت محكمة في “هويلفا”، في إسبانيا، بإدنة ثلاثة رجال بـ”ارتكاب جريمة المس بالسلامة المعنوية والتحرش الجنسي”، في حق النساء المغربيات اللواتي عملن لصالحهم سنة 2009. كما أن “إلبايس” نشرت سنة 2010 مقالا بعنوان “الذهب الأحمر” وثق سلسلة من الإدعاءَات الجنسية من طرف عاملات مغربيات وبولنديات.

رداً على الانتقادات التي وجهتها وسائل الإعلام في الخريف الماضي وعدت الحكومة الإسبانية بتوفير الضمانات لهذا الموسم، كما أن وزير التشغيل المغربي وعد بتحسين ظروف العمل. إلا ما تغير قليل، أو لم يتغير أي شيء، وفقا للعاملات والنقابات.

وقد رفض المسؤولون المغاربة، بمن فيهم وزير التشغيل والسفير في مدريد، والمسؤولون الإسبان، والعديد من ممثلي الجمعيات الفلاحية، التعليق على هذا المقال. نفس الشيء حدث مع مالك مزرعة “ضونانا 1998” في “ألمونتي”

نور الدين بن خليل، مدير الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءَات (أنابيك) في طنجة، وهي الوكالة التي تستقطب النساء في المغرب، قال العام الماضي لشبكة تلفزيونية محلية: “إن عملنا يتوقف في طنجة. وما بعدها يصبح شأناً إسبانياً”.

من جهتها قالت متحدثة باسم مفوضية الاتحاد الأوروبي، في رسالة على البريد الإلكتروني، إنها لا تتسامح مع استغلال العمال ولكنها قالت أن إسبانيا هي المسؤولة عن معالجة هذه القضية.

وقالت النساء إنهن مصرات على متابعة قضاياهن حتى النهاية. وتتولى “ح.ح”، التي كانت أول من اشتكى، مهمة رفع المعنويات للجميع، وكلما شعرت أن إحداهن أرهقت تذكرها بأنه كان من الواجب عليها أن تتكلم حتى تتمكن أخريات من الاقدام على هذه العقود دون خوف.

“لن أتخلى أبداً”، تقول “ح.ح” قبل أن تختم قائلة: “لقد فقدت كل شيء ولم يعد لدي ما أخسره. سأقاتل حتى الموت”.

تحرير: عايدة علمي _ ترجمة: سعيد السالمي

شاركت في هذا التقرير راشيل شوندلر

المقال الاصلي

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق