خالد البكاري يكتب.. ليلى والمحامي

23 يناير 2020
خالد البكاري يكتب.. ليلى والمحامي

الصحافة _ الرباط

أعرف قبلا أن كثيرين لن يروقهم هذا المقال، لأن التجييش الذي وقع في قضية “ليلى والمحامي” قد جعل الأغلبية تحكم العاطفة على العقل والمنطق، هو تعاطف مشروع مع أم تبحث عن إثبات نسب لبنتها، فتجد نفسها خلق القضبان في ملف متعلق بالخيانة الزوجية، قبل أن تستفيد من سراح مؤقت، لكن خلق هذا التعاطف المشروع ثمة ماكينة للتضليل اشتغلت بقوة، لا لتنصر مظلوما، بل لتصفي حسابات عابرة على ظهر معاناة امرأة،، ماكينة اشتغلت على إشباع فضول الجمهور للتلصص على حياة الناس الخاصة، ماكينة لم تتورع عن نشر الحميميات على رؤس الأشهاد، سواء كانت صورا او مكالمات يجرم القانون نشرها وتسريبها واستغلالها.

ماكينة ركبت على نزاع بين مواطنين، الأولى ان يحل في المحاكم، وحولته إلى منصة للهجوم على كثيرين لا دخل لهم في هذا الملف، وتركز القصف على الحقوقيين الذين لم ينحازوا إلى أي طرف من أطراف النزاع، وعلى حزب العدالة والتنمية وعموم “الإخونج”، وعلى الصحافية هاجر الريسوني التي لم أفهم استحضارها في تدوينات كثيرة مبرمجة.

لنعد تركيب الحلقات بهدوء وعقلانية:

ثمة دعويين قضائيتين: الأولى رفعتها المواطنة ليلى لإثبات نسب ابنتها للمحامي أمام قضاء الأسرة، والثانية رفعتها زوجته الشرعية أمام المحكمة الابتدائية متعلقة بالاشتراك في الخيانة الزوجية والابتزاز.

هل من حق السيدة ليلى رفع دعوى إثبات النسب؟

طبعا، لا يمكن لعاقل أن يلومها على ذلك، فذاك حق البنت الرضيعة قبل أن يكون حقها !!

هل من حق زوجة المحامي أن ترفع دعوى الاشتراك في الخيانة الزوجية والابتزاز؟

بقليل من التجرد والاندفاع العاطفي، يمكن القول بأن ذلك حق منحها إياه القانون !!

السؤال هنا: لماذا سيتدخل الحقوقيون في نزاع بين مواطنين؟؟

أبحث عن مبررات للتدخل فلا أجدها..!

في البداية كان هناك حديث متضخم عن استغلال للنفوذ للزج بالسيدة ليلى في السجن، دون تقديم اي دليل، بل تم تقديم معلومات خاطئة لتضليل الرأي العام، من قبيل ان المحامي هو صهر الوزير الرميد، وأنه قيادي في حزب العدالة والتنمية.

ولما قلنا إن هذه الاتهامات خطيرة لأنها تجعل النيابة العامة والشرطة القضائية محل شبهة بالتواطؤ، اختفى فجأة حديث النفوذ، ولكن بعد أن ترسخت في اذهان الرأي العام معلومات مضللة.

هل لا تتوفر هذه القضية على حيثيات مرتبطة بما هو حقوقي؟

طبعا تتوفر على الكثير من العناصر، والتي هي مشتركة بين قضايا عديدة تعرفها المحاكم يوميا.

أولا: يجب الانتهاء من العبث الذي يطول قضايا إثبات النسب، عبر اعتبار الخبرة الجينية غير ملزمة، وبالتالي فإثبات نسب بنت السيدة ليلى إلى المحامي، يجب أن يحسم فيه بسرعة عبر شجاعة قضائية تجعل الخبرة الجينية هي الفيصل النهائي. وهذا أمر نادى به الحقوقيون دائما، ،

ثانيا: تدبير الاعتقال الاحتياطي في حق السيدة ليلى كان خاطئا، وقد استدركت المحكمة الخطأ عبر تمتيعها بالسراح المؤقت،، و لطالما نبه الحقوقيون إلى مغالاة النيابة العامة في تقديراتها التي جعلت للأسف الاعتقال الاحتياطي هو الأصل بدل ان يكون الاستثناء.

ثالثا: إذا كنا نطالب بعدم تجريم العلاقات الرضائية بين راشدين مادامت تقع في أمكنة خاصة، ولا تؤذي أحدا، ونعتبر تحريك النيابة العامة للدعوى العمومية في هذه القضايا تدخلا في الحياة الخاصة للأفراد، فإننا في قضايا الخيانة الزوجية نعتبر ان من حق الطرف المتضرر (الزوج او الزوجة) رفع الدعوى التي تمكنه من جبر الضرر الحاصل له، لكن لا معنى للعبث الحاصل اليوم الذي بمقتضاه ترفع المتابعة عن الزوج او الزوجة بتنازل محرك الدعوى له أو لها، فيما تستمر متابعة الشريك الآخر في هذه العلاقة،، ، فهذا عين العبث،، فإذا كان المتضرر حق رفع الدعوى، فيجب إغلاقها نهائيا في حال تنازله لشريكه الشرعي.

لكن كل هذه القضايا تمر عبر تعديل القانون الجنائي ومدونة الأسرة بما يتوافق مع المنظومة الكونية لحقوق الإنسان والتطور العلمي والطبي، وهي مطالب حملتها الحركة الحقوقية على عاتقها دوما، وليست محتاجة لمن يقدم لها دروسا في هذا المجال.

رابعا: انتشرت صور أطراف النزاع، ومكالمات شخصية سواء في مواقع التواصل الاجتماعي او على صفحات الجرائد والمواقع الإلكترونية، في خرق سافر لحماية المعطيات الشخصية وأخلاقيات المهنة، وقد تم استثمار هذه الصور التي قد تدمر  اسرا وتكون لها تبعات نفسية على من هم أطفال حاليا مستقبلا، في حشد التعاطف لطرف وتشويه طرف آخر، ولم ينتبه أحد في حمى إشباع الفضول أننا نكرس ثقافة نهش الأعراض، والتلصص على حميميات الناس، مما هو مدان حقوقيا وأخلاقيا وقانونيا ودينيا، وبإمكان المصالح الأمنية المختصة الوصول بوسائلها المتقدمة إلى مصدر التسريب، وعدم تحركها في هذا الاتجاه سيجعل الشبهات تكبر حول من المستفيد من هذه الضجة المرتبطة بنزاع بين مواطنين.

الآن نختم بالحديث عن الأطراف البعيدة عن هذا الملف والتي طالعا الهجوم المنظم والذي نجح في تمويه الحقائق نسبيا:

الحركة الحقوقية: تعرض الحقوقيون وخصوصا المعروفين بعلاقة الدولة غير الودية بهم لهجوم عنيف، واتهموا بالانتقائية، لأنهم لم يدافعوا عن بنت الشعب الفقيرة ليلى، مع العلم أن المنطق البسيط يقول إن الحقوقي عليه أن يكون محايدا حين يرتبط الأمر بنزاع بين مواطنين، طبعا إذا تم توظيف النفوذ في هذا النزاع، أو عدم تمتيع أحد الطرفين بالحق في محاكمة عادلة، فآنذاك يمكن لوم الحقوقيين، أما وإن المحاكمة في الملفين لم تنطلق بعد، ولا نعرف ما سيقع فيها، ولم يتم رصد بأدلة اي استغلال للنفوذ، فما موقع الحقوقي في نزاع مدني؟

طبعا كنا ضد الخطأ الأول الذي تم التراجع عنه بمتابعة السيدة ليلى في حالة اعتقال، ولكن كانت ملاحظاتنا مواجهة للنيابة العامة لأنها من اتخذت ذلك التدبير الذي اعتبرناه خطأ، البعض من القانونيين الذين ساهموا في حملة تضليل الرأي العام، استدعوا قضية هاجر الريسوني، وتلك قضية لا علاقة لها بهذا الملف، باعتبار أن من حرك الدعوى العمومية في ملف هاجر هو النيابة العامة، أي اننا أمام مواطنة في مواجهة السلطة، ولسنا أمام نزاع ولسنا أمام نزاع بين مواطنين.

حزب العدالة والتنمية: تم الهجوم على هذا الحزب عبر تقديم المحامي عضوا قياديا فيه وصهرا للوزير الرميد، ورغم نفي الرميد أي قرابة له  به، ورغم ان الحزب أعلن أن علاقة المحامي بالبيجيدي انتهت سنة 2015 ، وهو الأمر الذي أكده المحامي نفسه، ومع ذلك استمرت ماكينة التضليل في تكتيك “البيجيدي ولو طارت معزة”،، وحتى لو افترضنا أنه لم يقطع علاقته بالحزب إلا بعد أن اثيرت هذه القضية، فلماذا سيلام الحزب؟

كان يمكن أن يلام لو دافع عنه، او تدخل لصالحه، أو لم يجمد عضويته إلى حيت البث في ملفه قضائيا، وحين يصح الحديث بصدق عن الانتقائية، فقد استمر نائب برلماني قياديا في الاتحاد الدستوري رغم رفضه إثبات نسب ابنه المثبت عبر الخبرة الجينية وتحليل منيه، واستمر رئيس مقاطعة في الرباط عضوا مسؤولا في البام وهو متورط في ملف مشابه، ولم تقم هذه القيامة،

إن البيجيدي يجب أن يحاسب على تدبيره الكارثي للشأن العام سواء في الحكومة او المجالس المنتخبة، وليس عن اخطاء منخرطيه التي لم يزكها ولم يدافع عنها،، لكن المؤلم والوقح في القضية هو الركوب على معاناة مواطنة تسعى بكل الطرق لإثبات نسب ابنتها من أجل تصفية حسابات سياسوية.

هاجر الريسوني: منذ انطلاق هذا الملف وجوقة التضليل تهاجمها، وكأنها هي من أمرت باعتقال المواطنة ليلى وليس النيابة العامة، وكان القوم في انتظارها، فلما كتبت مادة صحفية عادية، لم تتطرق فيها لا للنزاع المتعلق بإثبات النسب، ولا للنزاع المتعلق بالخيانة الزوجية والابتزاز، بل فقط بعلاقة المحامي بالحزب، حتى استعر الهجوم عليه، مستغلين الصورة المرفقة بمادتها، والتي لا علاقة لها بها، وليست هي من وضعتها، وقد فسرت إدارة الجريدة ذلك، ،بل إن صحافيين من جوقة التضليل كتبوا انها تتهم السيدة ليلى، في حين ان الصحفية لم تتهم أحدا ولم تبرئ احدا، بل عرضت التهم كما هي في ملف القضية دون أن تعلق عليها او تبدي موقفها، لأن المادة كانت خبرية وليست رأيا.

في هذا الملف للأسف تم استغلال نزاع بين مواطنين، وتم استغلال معاناة ام تبحث عن إثبات نسب بنتها مما يجعل التعاطف معها ومع البنت قبلها حالة إنسانية، تم استغلال ذلك في تصفية حسابات ضد الحقوقيين الذين لا ترضى عنهم جهة في الدولة، وفي صراع حزبي على مقربة من الانتخابات.

خالد البكاري، أستاذ جامعي وناشط حقوقي.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق