حرب بين “عاش الشعب” و”عاش الملك” في المغرب… ضجة مفتعلة حول نحت عار في دمشق… والنظام اللبناني في خصومة مع المستقبل

12 نوفمبر 2019
حرب بين “عاش الشعب” و”عاش الملك” في المغرب… ضجة مفتعلة حول نحت عار في دمشق… والنظام اللبناني في خصومة مع المستقبل

بقلم: راشد عيسى*

في أقل من أسبوعين، حظي الراب المغربي “عاش الشعب” بأكثر من اثني عشر مليون مشاهدة على يوتيوب. لكن ليس هذا فحسب ما يدفع إلى الظن بأن الراب المغربي سيكون علامة لا تنسى في مشهد الثورات العربية، ولقد استُفزت السلطات إلى حدّ اعتقال أحد مغنّي العمل الثلاثة، سيمو الكناوي، الذي سيقدم للمحاكمة بعد أيام، ولكن الشرطة نفت أن يكون الاعتقال جرى في ضوء الراب، بل بناء على فيديو سابق “أساء للشرطة والأمن المغربي”. ما يجعل الفيديو مهماً إلى هذا الحدّ أنه أقرب إلى بيان سياسي غاضب يصف أحوال المغاربة.

“عاش الشعب” هو عنوان العمل، ولازمته التي تتكرر على مدار الأغنية: “باسم الشعب، وعاش الشعب، وعاش اللي درويش”، في بلد اعتاد أن يقول “عاش الملك”

“عاش الشعب” هو عنوان العمل، ولازمته التي تتكرر على مدار الأغنية “باسم الشعب، وعاش الشعب، وعاش اللي درويش”، في بلد اعتاد أن يقول “عاش الملك”، ولذلك اعتُبر مجرد العنوان خرقاً كبيراً. كما يأتي وصف “أمير المدمنين” فوق ذلك تهكماً واضحاً من لقب “أمير المؤمنين” الذي يكنّى به ملك البلاد. (لافتٌ أن يظهر في هذا الوقت تسجيل صوتي لأبرز معتقلي حراك الريف ناصر الزفزافي يقول فيه إنهم عذبوه واغتصبوه وطلبوا منه أن ينادي بـ “عاش الملك”، بحسب تقرير لـ بي بي سي).

الراب، الذي تردّد صداه لاحقاً في ملاعب الرياضة، يتحدث عن المواطن المغربي الذي أسهمت السلطات بـ “تعميق جرحه”، “أنا اللي جبت الاستقلال وعمري بيه ما حسيت”.. يتحدث بلسان المواطن المغربي “اللي هدر (تحدث) باسم الشعب، وقال العيب في اللي حاكم/ ردّوه إسلامي متطرف”. يتحدث مواطنُ الراب عن سخطه، غضبه، فقره، وهجرة أبنائه عبر البحار، وعن فساد الحاكم وإغراقه البلاد بالحشيش. ويتساءل “كيفاش نحب هاد الوطن!”.

هناك أيضاً، إلى جانب الكلمات، ما يكسب الكليب مصداقية وتأثيراً كبيرين، فالمغنون ليسوا نجوماً جاءوا من خارج عالم الفقر والقهر، يغنون محاطين بالسيارات الفارهة والنساء الجميلات والمناظر الطبيعية الخلابة، إنهم ينشدون من قلب العتمة، من غرفة مظلمة كأنما تتوالد فيها الجدران، وجوههم عابسة، لا يشي مظهرهم بأي ترف. ليس من دون معنى أن أحدهم كان يغني بلا أسنان، من دون أي مجاز ولا تمثيل (يحضر هنا وصفٌ تسرّب من أقوال أحد رؤساء فرنسا، عندما نعتَ الفقراء الفرنسيين بأنهم “أولئك الذين بلا أسنان”!)، إنهم يروون مآسيهم هم بالذات، قرفهم، وسخطهم، لكنهم يقررون كسر حاجز الخوف، فعلى ما يبدو هم واعون تماماً لما اقترفت كلماتهم: “اللي يخاف يروّح”.

زميلا الكناوي الآخران، الملقبان بـ “لزعر” و”ولد الكرية”، ظهرا في مقابلات وأخبار أخرى أقرب إلى فارّين، وصحيح أن بلاغاً لم يصدر بحقهما، لكن أحدهما قال إن السلطات لا تستطيع اعتقالهما لأنهما بعيدين عن أنظارها.
هكذا يصبح كليب “عاش الملك” احتجاجاً مقلقاً للسلطات، ومن البديهي أن نرى هذا التسارع في أعداد المشاهدات، كما لو أن مجرد المشاهدة تصويت على ما ورد فيه، كما لو أنه منشور سري تتلقّفه الأيدي، تحتضنه وتحرسه العيون.

ما في فرق

يطالب النظام الحاكم في لبنان المتظاهرين بإظهار قياداتهم من أجل التفاوض وتحديد المطالب، لكن هذه الأخيرة في منتهى الوضوح، تكرر كل يوم في هتافات محددة، ومرسومة على جدران المدن، بل يمكن اختصار المأساة كلها في راب لـ “الرابر” المبدع بو ناصر الطفار بعنوان “ما في فرق”، حيث يظهر الفنان مع مجموعة من الشباب في راب حزين يحدد من هم أعداء اللبنانيين، حيث لا فرق بين أمراء الحرب والسياسيين والوزراء، قبل أن يدافع عن الشتيمة في هتافات اللبنانيين.

“الكهرباء اللي بتيجي ست ساعات ببيتي مسبّة/ فرشي سناني بمي مخلوطة بـ .. ببيتي مسبة/ أترك أهلي وهجّ حتى تظلوا أنتو مسبة/ أسعار الدوا هاي جريمة يا تقبرني مانها مسبة/ المحاكم الدينية وكل لفات النصب مسبة/ اللي كان يسمي طرابلس قندهار يعايرها برقصة/ شكراً عالتحرير، بس الحرمان علينا أقسى/ ..”. وفي آخر الكليب يظهر “الجواكر” الثوار مرتدين الأقنعة الضاحكة، يقرعون الطبول مع هتاف “بوجه المصرف والتيار نحن “يسقط رأس المال”.
أهداف اللبنانيين ومطاليبهم واضحة، وعناوينهم كذلك، لكن من الواضح أن أهل السلطة أذن من طين وأخرى من عجين.

خصام مع المستقبل

من بين مختلف الأكاذيب التي اخترعها النظام الحاكم في لبنان لمواجهة الثورة هناك كذبة لا يمكن أن تغتفر، كذبة قد تؤسس لخصومة أبدية مع جيل جديد بأكمله، فعندما اشترك تلاميذ المدارس، صغارهم وكبارهم، في التظاهرات، قال إعلاميون ومحللون إنهم حصلوا على 15 ألف ليرة لقاء خروجهم!

بإمكان “العهد” التلاعب بالحقائق، واختلاق الحجج، ودفع الناس إلى تصديقها بالتخويف أو بسواه، لكن كيف تقنع النشء الذي خرج من تلقاء نفسه أنه قبض ذلك المبلغ لقاء التظاهر؟ إنها خصومة النظام إذن مع المستقبل لا مع الحاضر وحسب.

عري في دمشق

ضجة في دمشق بخصوص منحوتة عارية على شجرة يابسة اعتُبرت خدشاً للحياء، وقد اضطر مشتغلو العمل لإزالة المنحوتة تحت الضغط.

اللافت أن نحاتة العمل، كما ظهرت في مقابلة مصورة، محجبة، وهي استهجنت الضجة وعلّقت “لماذا لا يرون ما يجري في الحدائق العامة”، في إشارة إلى المشاهد الحميمة المعلنة والمكررة التي يعرفها الجميع هناك.

إنها ضجة مفتعلة من دون شك، وليس مستبعداً أن يكون النظام وراء حركات من هذا النوع ليوحي للجميع أنه، هو العلماني، في مواجهة دائمة مع المتطرفين.

كثر يتذكرون معارض وأعمالاً نحتية عارية جداً في قلب العاصمة السورية في سنوات ما قبل الثورة، من بينها ورشة عمل ومعرض في قلعة دمشق كانت ساحاتها مفتوحة للجميع، ولم يصدر حينها أي اعتراض على أعمال كانت سافرة لأبعد حدّ.

ليس بريئاً أبداً أن يستجيب النظام الشمولي والمتوحش لاعتراضات من هذا النوع، ليظهر وكأن لا حول له ولا قوة، وأن براءة الأطفال في عينيه!

*كاتب فلسطيني سوري

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق