تفاصيل صراع الإخوة ـ الأعداء الذي قسٌَم حزب الأصالة والمعاصرة

5 ديسمبر 2019
تفاصيل صراع الإخوة ـ الأعداء الذي قسٌَم حزب الأصالة والمعاصرة

الصحافة _ وكالات

ما عاد الحديث عن حزب الأصالة والمعاصرة مقروناً بمفردة «التحكم» التي طالما رددها غريمه التقليدي عبد الإله بن كيران، الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، ولا عاد أيضاً «حزب صديق الملك»، ولا «صديق صديق الملك» كما كان يُتردد سابقاً، فقد جرت مياهٌ كثيرةٌ تحت جسر سنوات الصراع السياسي بين الحزبين.

حزب الأصالة والمعاصرة الذي أنشأه فؤاد عالي الهمة، وزير الدولة السابق المنتدب في الداخلية (منتدب) والصديق الشخصي للملك محمد السادس في  أغسطس 2008، على وشك الانهيار السياسي، حسب مراقبين، نتيجة الصراع الداخلي القوي على خلفية الإعداد للمؤتمر الرابع للحزب المقرر أواسط الشهر الجاري.

الحزب الليبرالي والحداثي الذي يصف نفسه بنهج اليسار الوسطي، ويجمع بين أطياف متعددة، رجال أعمال ومحامين ومثقفين ومناضلين سابقين في اليسار واليسار المتطرف، يعيش اليوم ما يمكن نعته بصراع «الإخوة الأعداء» داخل البيت الواحد؛ بعدما كان «خصمه» خارجياً، فمن المعلوم أنه أُنشئ بهدف مواجهة «الإسلام السياسي» الذي يمثله حزب «العدالة والتنمية» تحديداً.

وبدأ الانشقاق في صفوف «الجرار» بعد استقالة أمينه العام السابق، إلياس العماري، والرئيس السابق لجهة طنجة تطوان، خلال الأزمة السياسية التي شهدتها البلاد بعد «حراك الريف».

ويؤكد المهتمون بالشأن السياسي المغربي أن الذي كان يخفي ما يعيشه الحزب في فترة إلياس العماري هو سلطوية الأخير الذي كان يتحكم في كل صغيرة وكبيرة داخل تنظيماته السياسية.

الصراع الذي يشهده حزب «الأصالة والمعاصرة» لم يعد داخل دهاليز الحزب، بل انتقل إلى ردهات المحاكم، بحيث قضت محكمة الاستئناف الإدارية (محكمة درجة ثانية) في الرباط، الأربعاء، بحكم لصالح «تيار المستقبل» ضد عبد الحكيم بنشماش، الأمين العام الحالي للحزب، والذي كان قد تقدم بدعوى ضد سمير كودار، رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني الرابع للحزب.

حكم المحكمة الاستئنافية ألغى الحكم السابق الصادر في المرحلة الابتدائية لفائدة تيار بنشماش، والذي قضى ببطلان انتخاب سمير كودار رئيساً للجنة التحضيرية للمؤتمر، وأن «كل القرارات الصادرة عنه باطلة».

إنصاف

عبد اللطيف وهبي، أحد أبرز قياديي الحزب، ومن أشهر «تيار المستقبل»، الذي يقف في مواجهة بنشماس، يرى أن هذا الحكم الذي صدر لفائدتهم هو «إنصاف للديمقراطية الداخلية بالحزب». وأضاف: «لا نعتبر الحكم انتصاراً لطرف على آخر، وإنما دعوة إلى العمل باحترام القانون».

يعتبر أن هذا القرار هو «فرصة للمصالحة الداخلية بالأصالة والمعاصرة، وكذا لتجاوز الخلاف والتوجه صوب المؤتمر الوطني الرابع بشكل موحد وباحترام للقانون الداخلي».

في المقابل، قال جمال شيشاوي، عضو المكتب الفيدرالي لحزب الأصالة والمعاصرة، إن «إرهاصات هذا الحكم ظهرت منذ أسبوعين قبل النطق به»، مشدداً على أن «اللجنة التي يرأسها كودار لا قيمة سياسية لها داخل الحزب، بل تواجه تحفظاً كبيراً».

وتعليقاً عما يقع داخل حزبه، يعتبر أن هنالك «إعداداً لسيناريو متكامل، لتحويل الحزب إلى جثمان ميت، والحصول على أعضائه البيولوجية بأزمنة زهيدة»، مضيفاً أن «ضغوطات تمارس في الكواليس على قيادات الحزب من طرف قوى خارج الحزب».

ويضيف شيشاوي أن «تيار الشرعية»، «لم يقل كلمته بعد حول ما يقع، وسنفاجئ الجميع»، وسنقف أمام «الطريقة القبيحة لمحاولة قرصنة الحزب، والتحالفات الهجينة مع الحزب الحاكم (في إشارة إلى «العدالة والتنمية») في السر والعلن».

وأعلنت اللجنة التحضيرية التي يرأسها كودار، في وقت سابق، أنها حددت أيام 13 و14 و15 ديسمبر الجاري، موعداً رسمياً ونهائياً لتنظيم المؤتمر الوطني الرابع لحزب الأصالة والمعاصرة، وهو الموعد الذي أكده كودار في تصريحات سابقة، مشدداً على أن «تيار المستقبل» متمسك به.

وكان بنشماش قد أطلق مبادرة جديدة لـ«الصلح» بين أعضاء حزب «الأصالة والمعاصرة» قبل أسابيع، دعا فيها المكتب الفيدرالي للحزب إلى «مراجعة القرارات التأديبية التي سبق أن اتخذها في حق بعض أعضاء الحزب، لتكون مقدمة دالة لتيسير شروط إطلاق الحوار الداخلي من أجل وحدة الحزب، بعيداً عن لغة الشماتة ومنطق المنتصر والمنهزم».

حسب ما يراه المحلل السياسي كريم عايش، فإن الساحة السياسية المغربية «تعرف حركية على مستوى هياكل الأحزاب وتنظيماتها، وإن كانت في بعضها تتسم بالحدة، والمواجهات بالأيدي والكراسي، فإن أخرى انتقلت من النقاشات الساخنة داخل المجالس الوطنية إلى الانشقاقات داخل اللجان التحضيرية، ثم إلى ردهات المحاكم، وهنا نشير إلى حزب الأصالة والمعاصرة الذي بعد تولي بنشماش لقيادته ما فتئ يتحول إلى حلبة صراع على مصداقية الأعضاء واللجان وأحقية من يترأس ماذا».

ويشير عايش، عضو «مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية» إلى أن طبيعة هذا الحزب ما كان لها أن تصل إلى هذا «التناحر الداخلي لولا وجود قيادات كاريزماتية والتي فضلت التواري والخفوت»، معتبراً أن «ابتعاد إلياس العماري ونقصان إيقاع فاطمة الزهراء المنصوري في ضبط المجلس جعل أعضاءً بالمكتب السياسي يصارعون للحفاظ على مكاسب سياسية وتنظيمية تمكنهم من الاشتغال على انتخابات 2021، وبالتالي العودة إلى احتلال المراتب الأولى سعياً إلى الظفر برئاسة الحكومة وهي خطة لم تنجح أثناء الـ«بلوكاج» (العرقلة) الحكومي في عهد حكومة بن كيران الثانية بعد سعيه رفقة بعض الأحزاب إلى العمل على إحداث تعديل دستوري، وهو ما فتح الباب أيضاً إلى شروخ وتصدعات داخل «الأصالة والمعاصرة» بعد تبخر أحلام البعض بالاستوزار والمناصب السامية، لتنطلق الملاسنات والأخذ والرد، مفضية إلى تضخم النزاعات الداخلية وانقسام الحزب حول من يدعون الشرعية ومن يرفعون بمسمى تيار التغيير».

المناصب والتنظيمات

ويرى الكثيرون في العمل الحزبي المغربي «موسمية وانتهازية، خاصة أمام تكريس وجوه بعينها في المناصب والتمثيليات والتنظيمات وغياب أي تحمل حقيقي للمسؤولية السياسية، في فتح ملفات صعبة، والتصويت على قوانين ومقترحات تصب في مصلحة الفئات الهشة والفقيرة، مفضلة معارضة مشروخة بفعل الغيابات والامتناع عن التصويت»، يقول عايش، معتبراً أن ذلك هو ما «أضعف الأصالة والمعاصرة»، بالإضافة إلى «تناحر مكوناته وهروب بعضها لأحزاب أخرى تعمل على توسيع قواعدها حالياً، كما أنه صار واضحاً ثقل مهمة قيادة الحزب، إذا ما أرادوا تدارك خسائر المعارك الداخلية، وكسب ثقة منخرطيهم ومتعاطفيهم في أفق الاستحقاقات المقبلة».

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق