تاريخ تخليد عيد الشغل في العالم .. احتفالات من رحم المعاناة

2 سبتمبر 2019
تاريخ تخليد عيد الشغل في العالم .. احتفالات من رحم المعاناة

عبدالرحمان عدراوي من كندا

يصادف اليوم الاثنين الثاني من شهر سبتمبر عيد الشغل في كل من الولايات المتحدة وكندا، على خلاف باقي دول العالم والتي تخلد ذكرى عيد الشغل في الفاتح من ماي لكل سنة.

في نهاية القرن التاسع عشر ستحقق النقابات بالولايات المتحدة الأمريكية انتصارا كبيرا تمثل في حصر ساعات العمل القانونية ليوم واحد في ثمان ساعات. وتكريما لهذا الإنجاز الكبير، ستجعل دول أوروبية من فاتح ماي لكل سنة عيدا للعمال، لتنتشر الفكرة بعد ذلك في مختلف دول المعمور؛ حيث سيشتهر فاتح ماي أيضا باسم “اليوم العالمي للعمال”.

في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا ستلقى فكرة الاحتفال بعيد للعمال ترحيبا كبيرا، إلا أن كون معظم البلدان السباقة في أوروبا إلى اعتماد الفكرة كانت تحكمها آنذاك أنظمة ماركسية، موالية للاتحاد السوفياتي، وسيكون من غير المشرف للنقابات الأمريكية الاقتداء بها. بعد أخد ورد، سيتم تحديد يوم الاثنين من أول أسبوع من شهر سبتمبر عيدا للعمال بالولايات المتحدة الأمريكية وكندا، بينما ستحتفل بعض النقابات في محافظة كيبيك الفرنكوفونية بعيد العمال في الفاتح من شهر ماي، وذلك تضامنا مع نظيراتها في الدول الأوروبية.

في الوقت الذي استلهمت فيه الدول الأوروبية عيد العمال من الإنجاز التاريخي للنقابات الأمريكية، يوم فاتح ماي من سنة 1886الذي يؤرخ لدخول قانون تحديد ساعات العمل في 8 ساعات في اليوم، يرجع تاريخ عيد العمال بالولايات المتحدة الأمريكية وكندا إلى الإضراب الذي شنه السككيون سنة 1894، تضامنا مع عمال شركة (Pullman)المضربين عن العمل نتيجة مشاكل مع أصحاب الشركة.

ولم يتردد الرئيس الأمريكي آنذاك، كروفر كليفلاند، في إرسال 12000 جندي لمواجهة المضربين عن العمل، وهو ما أسفر عن وفاة عاملين، خلال المواجهات، في كيبنسينكتون بالقرب من شيكاغو، ليتم الإعلان عن نهاية الإضراب يوم 3 غشت من سنة 1894، بعد أن التزم عمال الشركة بعدم العودة إلى العمل النقابي.

الشعب الأمريكي سيشعر بنوع من الامتعاض من التدخل العنيف للجيش في حق المضربين عن العمل، وخصوصا من الأساليب القمعية التي اعتمدها الرئيس كليفلاند لتدبير الشأن العام. أما في واشنطن، فتقدم نواب الأمة بمشروع قانون ينص على استفادة الطبقة الشغيلة من يوم عطلة مؤدى عنه تكريما لها.

الرئيس كليفلاند سيكون من بين الموقعين على مشروع القانون بعد مرور 6 أيام فقط على تعنيف العمال المضربين، عله يكسب رضا الشعب، لإعادة انتخابه خلال الانتخابات الرئاسية التي كان من المزمع تنظيمها في السنة نفسها، وهو الحلم الذي لم يتحقق للرئيس؛ حيث عاقبه الشعب من خلال صناديق الاقتراع.

الاستثناء في تاريخ الاحتفال بعيد العمال لا يخص الولايات المتحدة وكندا فقط. ففي أستراليا، مثلا، يتم الاحتفال بعيد العمال في مواعيد تختلف باختلاف المناطق؛ حيث يعتبر 4 مارس عيدا للعمال في أستراليا الغربية، و11 مارس في ولاية فيكتوريا، و6 ماي في كوينزلاند، و7 أكتوبر في كانبيرا العاصمة ومنطقة سيدني.

أما في اليابان، فيتم تخصيص الأسبوع الأول من شهر ماي كاملا للاحتفال بالطبقة العاملة، ويطلق عليه اليابانيون اسم “الأسبوع الذهبي”؛ حيث يتوقف العمال عن العمل دون أن تتوقف أجورهم، وتعرف هاته الفترة من السنة تنظيم احتفالات في جميع ربوع البلاد احتفاء بالطبقة العاملة.

ومرورا أمريكا اللاتينية، فقد تحولت مناسبة عيد العمال في البرازيل، يوم فاتح ماي، من مناسبة للاحتجاج إلى فرصة للتنزه وإجراء مقابلات في كرة القدم، بينما في المكسيك، يتزامن فاتح ماي مع عيد الصي الذي يعلن عن انتهاء موسم جني الخضر والفواكه، وعلى رأسها الطماطم.

سنة 2002، سيحاول رئيس الباراغواي تغيير تاريخ عيد العمال، من فاتح ماي إلى أول إثنين من شهر ماي، على الطريقة البريطانية، لكنه لم يفلح في ذلك، بعد أن تصدى المجتمع المدني لفكرته، وبقي عيد العمال في موعده الموافق لفتح ماي، وهي مناسبة يستدعي فيها أرباب العمل عمالهم لتقاسم وجبة غذاء، تعبيرا منهم عن المودة والامتنان.

وفي بريطانيا، يعتبر أول إثنين من شهر ماي عيدا للعمال، تتقاضى فيه الطبقة الشغيلة مقابل يوم عمل دون أن تشتغل. وبالطريقة هاته، يتمكن العمال من الاستفادة من نهاية أسبوع مطولة، بدلا من يوم واحد وسط الأسبوع، إذا لم يتزامن يوم الفاتح من ماي مع يوم الاثنين أو الجمعة.

في الدول العربية والافريقية، يبقى عيد الشغل في الفاتح من ماي مناسبة لخروج الطبقة الشغيلة للتظاهر بأعداد كبيرة؛ حيث تتعالى الأصوات، وتجف الحناجر من ترديد شعارات نضالية، تنتهي صلاحيتها مع نهاية الفاتح من شهر ماي.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق