بوتمزين يكتب..كشف الغطاء البالي عن التعليم العالي

29 يوليو 2019
بوتمزين يكتب..كشف الغطاء البالي عن التعليم العالي

الصحافة – المهدي بوتمزين

ترزخ المنظومة التعليمية بالبلدان المغاربية تحت ثقل تباب و بوار فلكيين، أمكن معه إعلان حالة الإستثناء و الطوارئ، مجابهة للمعطِّلة و اللوبي الناطس قنِّ المال والأعمال. نأخذ المغرب كنموذج, حيث عرف جملة من الإصلاحات وُصفت اَخرها بالإستراتجية, والتي يمتد افق تنفيذها لخمسة عشر سنة 2015-2030.

الحال أن المعطيات و السياسات الاَنية تسير في اتجاه معاكس لغايات و مرامي الاصلاح، حيث أن القنوة لا تكاد تبلغ ثلث التطلعات الشعبية، دون أن يتعذَّل أحد فيتحمل جزءا من المسؤولية عن الفشل الفريع، الذي كان معه من العدل أن يتبوأ المغرب مراتب دنيا في التصنيفات العربية والعالمية .

إن التفكير العقلاني كأداة لتحليل البنية التعليمية و العلمية و الفكرية , بغية الإنتقال من طور التقليد و التبعية، الى طور التحرر و الإستقلالية، هو اليسوع المخلص من ترهات وأباطيل المتفيقهين و المتطفلين على ميدان التربية و التعليم, الذي تحولت ساحته من باكستان الى أرض الخطيئة، ومن التربية الى الإنحراف والإحتراف المنحرف.

قصارى القول في حيز إشكالي تسهل به الموازنة و المقاربة بين مضامين الإصلاح الدارجة في المخططات، والإستراتجيات من جهة، وبين استمرار تدني النتائج المرجوة من جهة ثانية.

بادئ ذي بدء نؤكد على أن التحليلات و الخلاصات المنحازة لصالح طرف، لا يمكن أن تكون رافعة حقيقية للبس موضحة للإشكال، مادامت من مخرجات مكاتب الدعاية، فهي ذات قيمة هامة للخدمة التي وجدت من أجلها و عديمة النفعية للإجابة عن الاشكالات و االقضايا المعنية بها. و هذا ما يوجب مرافقة الحياد والموضوعية، بعيدا عن الهالة التي تحدثها مواد مختبرات أمن الدولة، صاحبة الفضل الأكبر في الدعاية والديماغوجية.

شكل الميثاق الوطني للتربية و التكوين 2000-2013، دستورا اصلاحيا ضم في متنه مجموعة من المكونات و الأليات الممهدة لتغيير جذري للنظام التربوي والتعليمي في مختلف أطواره، إلا أن التقرير الذي أعدته الهيئة الوطنية للتقييم لدى المجلس الاعلى للتربية و التكوين والبحث العلمي عام 2014 حول مدى تطبيق مضامين الميثاق، خلص الى رصد سيل عرمرم من الإختلالات والنواقص التي اعترت، أو اعترضت التنزيل الفعلي لصلبه.

لأجل ذلك بادر المجلس الأعلى إلى إطلاق مشاورات موسعة لبلورة رؤية استراتجية جديدة للإصلاح، تمخضت عنها الرؤية الاستراتجية 2015-2030.
و الحال أن مقاربة مضامين الميثاق، الرؤية، تضعنا أمام هندسة متوازية، حيث لم تتسم الرؤية بطفرات عميقة و لا متغيرات جديدة، وإن اختلفت التسميات و المفردات، فالميثاق كان شموليا واهتم بنقاط هامة، كالتنظيم البيداغوجي، والموارد البشرية، و التسيير، والتدبير، والشراكة، و التمويل، وهي نقاط لم تغفلها الرؤية، ولم تتعداها.

ليطرح السؤال ذاته، ما هي المكتسبات التي حققها الميثاق ؟ و ما هي مكامن الفشل التي اعترته ؟ إلى أي مدى تحقق تنزيل مضامين الميثاق ؟ وتبعا لذلك، هل الرؤية الإستراتجية امتداد كلي، أم جزئي للميثاق ؟

إن الإجابة على هذه التساؤلات هي محط دراسة مستقلة لا يتسع لها متن مقالنا، لنعرج بصريح العبارة ولطيف الإشارة الى بعض نقاط الزلل والكبو التي يعرفها التعليم العالي خاصة، تاركين بُنَيَّات الطريق، وترهات الحديث التي لا تصلح كقاعدة للبناء و الاصلاح المأمول.

تطرق الميثاق كما سبقت الاشارة الى ذلك، إلى تخصيص مجال للتنظيم البيداغوجي بغية إصلاحه من خلال إعادة البنية الهيكلية و التنظيم المسترسل لأطوار التربية و التكوين، انطلاقا من التعليم الاولي إلى التعليم الجامعي. إلا أن أمال و مرامي الإصلاح لم تضع اليد على مكان الكدش، فمن جملة ما تم إغفاله أو تغافله هو بروز الفاقة الى ضرورة إستفادة الأساتذة الجامعيين من تكوين يمكنهم من اكتساب مهارات التدريس، والإطلاع على الجوانب البيداغوجية و الديداكتيكية للمواد المدرسة.

كما يوجب منطق الحال توسيع قاعدة الناجحين في سلك الماجستير و فتح شعب جديدة فيها. على أن الحكامة الجيدة تقتضي تعيين لجان مستقلة لتحديد الناجحين في الإمتحانات لولوج هذا المسلك، و تأسيس هيئات عليا مختصة في التظلمات المرفوعة من قبل الطلبة، درءا للحيف، والخطأ والجنوح والعبثية.

ومن توائم النجوم و مسببات التقاطع و النفور، المانعة لتعزيز الخبرة، المحدثة للكبوة، امتهان عدد من الأساتذة لأعمال توجب التنافي. فإلى جانب عِظم المدارين المعرفي و المهني لمهنة التدريس الجامعي، وما تتطلبه من وقت للإطلاع و الجمع و التحليل و المحاضرة و التدوين، يزاول أو يحترف عدد منهم أنشطة و مهنا تُتبِل العقل و تُتِب الذاكرة، هذه الاخيرة التي تعرف كأساس و مرجع لبناء واضح المعالم متراص الاركان للمعنى الخاص بمهنة التدريس.

فالجمع بين التدريس و التجارة لا يستقيم، وإن عرج المرء في سماء الإلمام والدراية والتبصر وباع بالفكر و المعرفة، فمبلغ الأمر أن يترك عوالم المهنتين هوشا بوشا، مهما ادعى من حرص على الفصل و التخصيص و الكياسة و التحقيق. فكان لزاما تشريع قواعد اَمرة منظرة منظمة، وهذا هو الإطار العملي حتى يتبهَّج عطاء و تنويل التعليم العالي.

ومما يبرز ضمن الأفق العالي كإشكال جَهْوري، خبر احتيال بعض الأساتذة الجامعيين على بحوث و أطروحات الطلبة , فينسبها لشخصه، جاهلا حروف المباني، ضاربا أساسيات و أخلاقيات المهنة و البحث العلمي. وهذا ما يدفعنا الى ضرورة إيجاد هيئة مختصة في التوثيق و الإثبات، حماية لحقوق الملكية الفكرية و الصناعية، فهذا هو الأساس الذي سينبني عليه المشروع المعرفي المستقبلي للطالب و الجامعة .

و بالموازاة مع هذا المطلب، تظهر الحاجة الملحة، للتوفر على أرشيف منظم في الجامعات، الذي يحفظ السابق و يغني الحاضر ، حيث تشكل البحوث السابقة مرجعا للتعزيز و الإلهام، الذي يشكل منطلقا للإبداع و الإبتكار، ضمن سلسلة للتطور و الإرتقاء. حيث يضع الأرشيف الفرد في عالم أرحب، وهو عوالم الأخرين روحا و فكرا و كينونة، ليحيا ضمن بحوث مختلفة البنيات و المضامين، فتتسع دائرة المعارف، وترسو الفكرة من خلال اَلية التفكير المستقل و المنتقذ للتكرار، المعارض للسفسطة، مما يوجِد فكرة و فكرا أصيلا يتحقق من خلال النمو الذاتي الاَلي، وهذا لا يكون الا داخل إطار تقدير البحث و الثقافة و الذات.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق