باقي المعتقلين في “خلية بليرج”.. ملف طاله النسيان

13 أغسطس 2019
باقي المعتقلين في “خلية بليرج”.. ملف طاله النسيان

بقلم: عبد الله أفتات

رغم مرور زهاء 10 سنوات على صدور الأحكام (28 يوليوز2009) التي وصفت “بالقاسية”، لا زال ملف باقي المعتقلين في ما سمي إعلاميا ب”خلية بليرج” يراوح مكانه، وسط صمت حقوقي وإعلامي مثير، بعدما ملأ الدنيا أخبارا وتحاليل وتقارير، وتصدره للعناوين والصفحات الأولى لأبرز الصحف الوطنية والعربية الورقية والإلكترونية لشهور عند انطلاقته شهر فبراير سنة 2008 .

ويأتي إحياء الذكرى العاشرة لصدور الأحكام في هذا الملف، في غياب أي اهتمام أو استعداد من طرف الجهات المعنية (عائلات باقي المعتقلين، القيادات الستة في الملف المفرج عنها، الإطارات السياسية والدعوية التي كانت تحتضن معظم المعتقلين، لجنة الدعم التي تضم مختلف الإطارات السياسية والحقوقية والنقابية..) التي عودت الرأي العام على تنظيم العديد من الأنشطة والوقفات التضامنية بالمناسبة، وللمطالبة بطي هذا الملف الذي عمر طويلا حسب العديد من المراقبين بشكل نهائي، وذلك بإطلاق سراح ما تبقى من سجناء هذا الملف الذي أسال الكثير من المداد .

ومن المعلوم أن ملف “خلية بليرج” عرف تراجعا إعلاميا وحقوقيا.. بمجرد ما تم في 14 أبريل 2011 في سياق الحراك الذي شهده المغرب، إطلاق سراح القيادات الستة، حتى تراجع الملف إلى الوراء إعلاميا وحقوقيا، لتدخل عائلات باقي المعتقلين في أزمة أثرت عليها وجعلتها تناشد وتنادي في أكثر من بلاغ بإطلاق سراح أبنائها عبر آلية العفو الملكي .

عائلات باقي المعتقلين.. طال أمد اعتقال أبنائنا ونسي ذكرهم

في آخر بيان لها، ناشدت عائلات باقي المعتقلين السياسيين في ملف “خلية بليرج” كل من له صلة بهذه القضية أن يمد يد العون لإطلاق سراح أبنائها.

وقالت تنسيقية العائلات في بلاغ لها “لقد طال انتظارنا وكبر أبناؤنا وقل صبرنا ولكن أمل الفرج لا زال ينبض في عروقنا ولا يغادر أحلامنا”.

وأضاف البلاغ “يمضي عام ونستقبل آخر.. عشر سنوات مضت على الاعتقال طال أمدهم ونسي ذكرهم عشنا خلالها فترات صعبة ومؤلمة، بحيث أصبحت العوائل تعيش في أزمات، فمنهم المريض ومنهم الفقير الذي لم يجد ما يساير به الحياة، ومنهم من تخلت عنه أسرته الصغيرة بسبب العوز، ناهيك عن أطفلنا الذين يعانون حالات نفسية مزية”.

وكشفت عائلات المعتقلين في ذات البلاغ على أنهم جد مستائين لعدم وفاء المسؤولين بوعودهم، بالإفراج عن باقي المعتقلين السياسيين في هذا الملف، مع العلم أن عدد منهم أفرج عنهم بعفو ملكي، ووعدنا بالإفراج عن باقي المعتقلين على شكل دفعات انتظرنا كثير وبدون جدوى”.

تذكير مقتضب بأصل الحكاية

وتعود أصل الحكاية إلى شهر فبراير من سنة 2008 عندما أعلنت السلطات عن تفكيك خلية وصفتها ب”الإرهابية”، ويوجد ضمنها أسماء وشخصيات سياسية ودعوية لم يثبت من قبل نزوعها نحو العمل المسلح، أو اتخاذ العنف كمنهج للتغيير، ومعروف عنها مواقف وسطية ومعتدلة، بل إن تيارات يسارية تصف مواقفها ب”المتنورة”، ليتضح بعدها أن الأجهزة الأمنية باشرت قبل عشرة أيام اعتقال واختطاف حوالي 30 شخصا من مختلف المدن المغربية، قاسم مشترك معظمهم الانتماء إلى “حركة الاختيار الإسلامي” التي كانت تؤمن بالتغيير المدني السلمي التدريجي حسب الوثائق التي اطلعنا عليها .

وأتى الإعلان عن تفكيك هذه “الخلية الإرهابية الخطيرة” ووجهت إليها تهم “المس بسلامة أمن الدولة وتكوين عصابة إجرامية لإعداد وارتكاب أعمال إرهابية” فاجأت الساحة السياسية والدعوية والحقوقية، في سياق محاولة تأسيس حزب الأمة الذي يقوده محمد المرواني وهو أحد القيادات الستة المفرج عنها، حيث في الوقت الذي كان فيه حزب الأمة قيادة وقواعد ينتظرون حكم المحكمة الإدارية بالرباط بشأن الدعوى التي رفعها وزير الداخلية ضد الحزب في سابقة لم يشهد لها التاريخ السياسي المغربي مثيلا، يتفاجأ الجميع باعتقال أمين عام الحزب ومعه مجموعة من الوجوه السياسية الأخرى، عبد الحفيظ السريتي عضو الحركة من أجل الأمة، والعبادلة ماء العينين الذي كان قد التحق حديثا بحزب العدالة والتنمية، وحميد نجيبي العضو في شبيبة الحزب الاشتراكي الموحد، بالإضافة إلى مصطفى المعتصم ومحمد الأمين الركالة عن حزب البديل الحضاري المرخص له أنذاك، الذي أصدر الوزير الأول عباس الفاسي وثيقة حل الحزب في سابقة أخرى تسجلها السلطات المغربية، بناء على الفصل 57 من قانون الأحزاب الذي ينص على أن الوزير الأول “يحل بموجب مرسوم معلل كل حزب سياسي يحرض على قيام مظاهرات مسلحة في الشارع أو يكتسي من حيث الشكل والنظام العسكري أو الشبيه به صبغة مجموعات قتال أو فرق مسلحة خصوصية أو يهدف إلى الاستيلاء على مقاليد الحكم بالقوة أو يهدف إلى المس بالدين الإسلامي أو بوحدة التراب الوطني للمملكة”.

وعرف الملف حضورا قويا على المستوى الإعلامي، حيث ما كان يمر يوم إلا وتجد أخبار وتقارير وتحليلات وتصريحات وأيضا الوقفات والاحتجاجات المتعلقة بالقضية، كما أن الجمعيات الحقوقية الوطنية والدولية اهتمت بالموضوع بشكل كبير مما أعطاه زخما مثيرا.

ورغم كل هذا الضغط الذي مورس حقوقيا وإعلاميا وسياسيا.. أصدرت محكمة الاستئناف بسلا، التي كان يشهد محيطها احتجاجات حاشدة مع كل جلسة، أحكاما بالسجن المؤبد على عبد القادر بليرج الزعيم المفترض، وشملت الأحكام السجن 25 عاما على كل من محمد المرواني والمصطفى المعتصم ومحمد الأمين الركالة، كما شملت السجن 20 عاما على ماء العينين العبادلة، وعبد الحفيظ السريتي، في ما تراوحت بقية الأحكام على بقية المجموعة ما بين عشر سنوات وسنة واحدة مع وقف التنفيذ، بتهم المس بسلامة أمن الدولة وتكوين عصابة إجرامية لإعداد وارتكاب أعمال إرهابية.

قبل أن يتم الإفراج عن الأسماء الستة المعروفة، في سياق الحراك الذي شهده المغرب سنتي 2011 و 2012، فيما بقي باقي المعتقلين وراء القضبان إلى حدود اليوم رغم الوعود التي قدمت لهم حسب بلاغ سابق لتنسيقية العائلات وقعته المنسقة عامر حورية حيث قالت “اننا جد مستائين لعدم وفاء المسؤولين بوعودهم، بالإفراج عن باقي المعتقلين السياسيينفي هذا الملف. مع العلم ان عدد منهم أفرج عنهم بعفو ملكي [القيادات السياسية] ووعدنا بالإفراج عن باقي المعتقلينعلى شكل دفعات انتظرنا كثير وبدون جدوى”.

تخلي عن الملف

في نقاش سابق مع السيدة رشيدة زوجة “الزعيم المفترض” عبد القادر بليرج، قالت لي: كان من أضعف الايمان ان يجتمع ما سمي بالسياسيين في الملف المفرج عنهم، القيام بمبادرة موحدة على شكل ندوة صحفية مثلا يقولون فيها ان ما تبقى من المعتقلين أبرياء”، مضيفة “إنهم فعلا أبرياء وأن لا معنى لبقائهم رهن الاعتقال”.

وأشارت السيدة إلى أنها ناقشت مرارا مع عدد منهم لكن لا جديد حتى الآن، معتبرة أنها لا تحمل لبعض القيادات أية مسؤولية، لكن على ما يبدو ـ تضيف السيدة بليرج في حديثها ـ اختلفوا في الطريقة التي يدار بها الملف، وهو ما لم يرق لعائلات باقي المعتقلين”.

تواضع مبادرات تنسيقية عائلات باقي المعتقلين

بعد مرور سنوات على الإفراج عن القيادات، وجدت تنسيقية عائلات باقي المعتقلين نفسها في حالة تردد، حسب مصادر من داخل التنسيقية ، مما أثر على فعالياتها ومبادراتها، خاصة وأنها كانت تستثمر إمكانات وعلاقات وحتى تحركات القيادات الستة الحقوقية والإعلامية والسياسية في ترك الملف “متوهجا”.

وكما تتبع الجميع فقد مرت الذكرى العاشرة لصدور الأحكام، “بيضاء”، لم يرى المتتبع أي استعدادات ولا تنسيقات كما جرت العادة كل سنة، حيث تنظم على الأقل وقفة أمام البرلمان ولو أنها يتيمة كما حدث السنة الماضية، كمحاولة ليبقى ملف باقي السجناء في الواجهة، ففي السنة الماضية لم يحضر إلى الوقفة إلا بضع أفراد معظمهم من تنسيقة العائلات، عكس السنوات الأولى أي قبل الإفراج عن السياسيين الستة، حيث كان يحضر المئات، بل وصل عدد الحاضرين في بعض الوقفات إلى ألف محتج، وهو ما كان يشكل دعما معنويا كبيرا للعائلات والسجناء على حد سواء .

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق