المنبع يتحدى المصب.. فهل تشتعل مياه النيل؟

19 يوليو 2020
المنبع يتحدى المصب.. فهل تشتعل مياه النيل؟

الصحافة _ وكالات

تتبع كل إعلان عن فشل جولة من جولات التفاوض بشأن سد النهضة بين مصر وإثيوبيا والسودان أصوات عالية في القاهرة تدعو إلى اعتماد الخيار العسكري لحل الأزمة، فيما لم تتحدث مصر رسميا عن طريق للحل سوى المفاوضات، أما التلميحات  الرسمية بالخيار العسكري فتأتي في إطار تأكيد “الجاهزية العالية” لمواجهة التحديات الوجودية التي تهدد الأمن القومي.

وتقابل إثيوبيا مثل هذه الأصوات والتلميحات بالرد مؤكدة أن جيشها مستعد لصد أي هجوم على “سد النهضة الكبير”، وأطلقت الأربعاء الماضي بالونة اختبار لرد الفعل المصري في حال بدأت الملء دون توقيع اتفاق نهائي، وأعلن التلفزيون الإثيوبي أن وزير الري سيليشي بقلي أكد بدء ملء السد، ولم يكذب التلفزيون الخبر إلا بعد مرور 5 ساعات على إذاعته.

وما بين إعلان الخبر ثم نفيه شهدت وسائل التواصل الاجتماعي ما يمكن تسميتها “حرب الساعات الخمس”، وعلى العكس مما توقعه المصريون من رد مصري عنيف أو تهديد رسمي من حكومتهم اكتفت الخارجية المصرية بطلب إيضاح رسمي عاجل من الحكومة الإثيوبية بشأن مدى صحة هذا الأمر.

وفي إطار التلميحات المصرية الرسمية اجتمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بقيادات الجيش في مارس/آذار الماضي، لكن ما نشر عن هذا اللقاء كان مجرد كلام إنشائي، وخلال تفقده الوحدات المقاتلة للقوات الجوية بالمنطقة الغربية العسكرية للجيش المصري قبل شهر قال السيسي إن جيش بلاده “قوي ومن أقوى جيوش المنطقة، ولكن هو جيش رشيد، يحمي ولا يهدد”.

ووجه حديثه إلى الوحدات المقاتلة للقوات الجوية قائلا “كونوا مستعدين لتنفيذ أي مهمة داخل حدودنا أو إذا تطلب الأمر خارج حدودنا”، الأمر الذي انصرف إلى ليبيا أكثر منه إلى إثيوبيا.

مقارنة
ويستدعي الحديث عن الخيار العسكري عقد مقارنة بين الجيشين المصري والإثيوبي، وفي هذا الشأن ذكرت مؤسسة غلوبال فاير باور في موقعها مطلع العالم الجاري 2020 أن الجيش المصري يحتل المرتبة التاسعة، فيما يحتل الجيش الإثيوبي المرتبة الـ60 بين 138 جيشا في العالم.

وبالنسبة للقوة الجوية، يمتلك الجيش المصري 1054 طائرة حربية متنوعة، بينها 215 مقاتلة، و59 طائرة شحن عسكري، إضافة إلى 388 طائرة تدريب، و294 مروحية عسكرية، في حين يمتلك الجيش الإثيوبي 86 طائرة حربية فقط، منها 24 مقاتلة و16 طائرة هجومية، بالإضافة إلى 9 طائرات شحن عسكري و33 مروحية عسكرية، منها 8 مروحيات هجومية فقط.

وفيما يتعلق بالقوات البرية يمتلك الجيش المصري أكثر من 4 آلاف دبابة، و10 آلاف مدرعة، وألف مدفع ذاتي الحركة، وأكثر من 2189 مدفعا ميدانيا، فيما يمتلك الجيش الإثيوبي 400 دبابة، و650 مدفعية.

ومن حيث القوات البحرية يضم الأسطول البحري المصري حوالي 320 قطعة بحرية، منها حاملتا طائرات و7 طرادات، و4 غواصات، إضافة إلى 50 سفينة دورية و9 فرقاطات، ولا تملك إثيوبيا أسطولا بحريا، لأنها دولة حبيسة لا تمتلك منفذا بحريا منذ استقلال إريتريا عنها عام 1993.

أما من حيث النفقات العسكرية فتبلغ ميزانية دفاع الجيش المصري 11 مليارا و200 مليون دولار، مقابل 350 مليون دولار لإثيوبيا، ويبلغ العدد الإجمالي للجنود في الجيش المصري حوالي 920 ألف جندي، وعدد الجنود الموجودين بالخدمة حاليا هو 440 ألفا، فيما بلغ عدد جنود الاحتياط 480 ألفا، مقابل عدد أفراد الجيش الإثيوبي البالغ 162 ألف جندي، ولا يوجد لدى إثيوبيا جنود احتياط.

يبقى التذكير بأن آخر حرب خاضها الجيش المصري مر عليها 47 عاما، أما آخر حرب خاضها الجيش الإثيوبي فكانت مع إريتريا، واندلعت في مايو/أيار 1998 واستمرت حتى مايو/أيار 2000.

اختبار
قبل 7 سنوات أصدر معهد ستراتفور  (Stratfor) الأميركي تقريرا استعرض فيه خيارات مصر العسكرية لضرب سد النهضة الإثيوبي، مؤكدا وجود قيود كبيرة على استخدام مصر الحل العسكري للتعامل مع أزمة السد النهضة، ونبه إلى بعد المسافة بين البلدين، وقال إنها تقف عقبة كبيرة في استهداف سد النهضة، موضحا أن مصر لم تستثمر في التزود بالوقود الجوي، مما يصعب الأمر أكثر.

واعتبر تقرير المعهد الأميركي أن “استهداف السد من الأراضي السودانية الحل الوحيد لمصر” لكنه حذر من أن انطلاق الطائرات المصرية من السودان “يعد أمرا معقدا من الناحية السياسية، نظرا للعواقب الدولية على مصر والسودان، وتعرض الأخيرة لانتقام عسكري مباشر من إثيوبيا”.

وغير بعيد عن الرأي السابق، يقول المحلل مارتن غيلين (Martin Gehlen) من صحيفة “فرانكفورتر روندشاو” (Frankfurter Rundschau) الألمانية في مقال له في مايو/أيار الماضي “إن السودان يجد نفسه في موقف هش بين هذه الجبهات، وسط انقسام قيادات ما بعد الثورة بشأن قضية مياه النيل، إذ يميل رئيس الوزراء عبد الله حمدوك إلى الجانب الإثيوبي لأنه عاش في أديس أبابا لفترة طويلة، ويقال إنه على علاقة وثيقة مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد. ومن جهة أخرى، تميل قيادة أركان الجيش السوداني بحزم إلى مصر ورئيسها السيسي لاعتبارات إستراتيجية”.

خيال
وفي محاولة لاستجلاء وجهة نظر متخصصين مصريين بهذا الشأن، قال خبير عسكري مصري للجزيرة نت -فضل عدم ذكر اسمه- إن “الحديث عن إمكانية قيام مصر بعمل عسكري لتدمير السد يبدو تنفيذه ضربا من الخيال، والإقدام على مثل تلك الخطوة يجب أن يكون لتحقيق غاية لا بذل عناية، والأمر يبدو غير مضمون فنيا وعسكريا، لأن الوصول وحده لا يكفي، بل تحقيق الهدف من الوصول”

وبسؤاله عن طائرات “الرافال” العسكرية الفرنسية التي اشترتها مصر وإمكانية الاستعانة بها في أي سيناريو عسكري محتمل بشأن سد النهضة، قال إن “أميركا صاحبة أقوى جيش في العالم لكن عملياتها العسكرية خلال العقدين الماضيين في أفغانستان والعراق تثبت أنه لا يكفي فقط أن تمتلك أحدث الطائرات لتحقيق النجاح في إصابة الأهداف، مما جعلها تقرر الانسحاب من هناك”.

واختتم حديثه بأن النظام المصري يدرك جيدا العواقب الوخيمة للتدخل العسكري على المنطقة بأسرها، وهو ما يرسخ مسألة استبعاد هذا الطرح، حتى مع انسداد المسار التفاوضي بشأن السد، أما صيحات الإعلاميين الموالين له الداعية لضربة عسكرية فليست سوى زوبعة كلامية تطلق بإيعاز من أجهزة أمنية لاحتواء الرأي العام في مصر.

المصدر : الجزيرة + وكالات

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق