الحريات الفردية وإباحة الإجهاض «بشروط» تقسّم الطبقة السياسية في المغرب وفرق برلمانية تطالب بالاستماع إلى وزير العدل

2 ديسمبر 2019
الحريات الفردية وإباحة الإجهاض «بشروط» تقسّم الطبقة السياسية في المغرب وفرق برلمانية تطالب بالاستماع إلى وزير العدل

الصحافة _ وكالات

انتقل السجال حول موضوع الحريات الفردية في المغرب من وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي إلى البرلمان وفضاءات الأحزاب، ففيما تطالب فرق برلمانية بالتسريع بإدخال تعديلات حول القانون الجنائي، وتحاول توحيد جهودها في هذا الاتجاه، اختار حزب «الحركة الشعبية» (المشارك في الحكومة) أن يفتح المجال للتداول الفكري في الموضوع من خلال تنظيم «الجامعة الشعبية» أول أمس السبت في مدينة سلا المجاورة للعاصمة المغربية.

وأفاد مصدر إعلامي أن ملامح العرقلة بدأت تظهر داخل البرلمان المغربي، بسبب وجود خلافات بين مكونات الأغلبية الحكومية حول تقديم تعديلات مشتركة على مشروع القانون الجنائي المعروض على لجنة العدل والتشريع منذ ثلاث سنوات.

وأوردت صحيفة «الأخبار»، نقلاً عن مصادر برلمانية، أن فرق الأغلبية عقدت اجتماعاً للتوافق حول تعديلات مشتركة، لكن وقعت خلافات حول إدراج مقترحات تتعلق بالحريات الفردية والإجهاض، ومن المنتظر أن يقدم كل فريق تعديلاته بشكل منفرد. ولذلك، وجه الفريق البرلماني لحزب «الحركة الشعبية» رسالة إلى رئيس اللجنة يطالبه من خلالها بتمديد آجال وضع التعديلات إلى حين الخروج بتوصيات من «الجامعة الشعبية» للحزب حول الحريات الفردية لإدراجها ضمن التعديلات المقترحة، وهو ما استجاب له رئيس اللجنة، حيث حدد يوم 13 كانون الأول/ ديسمبر كآخر أجل لتقديم التعديلات، عوض يوم الجمعة الماضي.

ويتضمن مشروع القانون مجموعة من المستجدات التي تنص على تقنين الإجهاض، بشرط أن يقوم به طبيب في مستشفى عمومي أو مصحة معتمدة لذلك، وأن يتم قبل اليوم التسعين من الحمل، حيث لا يعاقب على الإجهاض إذا كان ناتجاً عن اغتصاب، أو زنا المحارم، وإذا كانت الحامل مختلة عقلياً، وفي حالة ثبوت إصابة الجنين بأمراض جينية حادة أو تشوهات خلقية خطيرة غير قابلة للعلاج.

مشروع القانون الجنائي المعروض أمام البرلمان ما زال يراوح مكانه، بعدما اندلع خلاف حول عدد من فصول هذا القانون، خاصة المتعلقة منها بالحريات الفردية، حيث طالبت فرق برلمانية في الأغلبية والمعارضة بالاستماع لمحمد بنعبد القادر، وزير العدل الجديد، لاستجلاء موقفه من المشروع، الذي لا يزال يثير جدلاً محتدماً بين مكونات البرلمان.

وطالب كل من فريق حزب «الأصالة والمعاصرة» (معارضة) وفريق «الحركة الشعبية» (المنتمي للأغلبية الحكومية) بضرورة الاستماع للوزير الذي ينتمي إلى حزب «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» المعروف بمواقفه من الحريات والتي تمثّل جوهر الخلاف بين المكونات البرلمانية.

حرج الأحزاب والقضاة

وفي افتتاح منتدى «الجامعة الشعبية» الذي نظمه حزب «الحركة الشعبية» السبت في مدينة سلا، قال امحند العنصر (أمين العام حزب “الحركة الشعبية”) إن الأحزاب السياسية تشعر بالحرج من مسألة الحريات الفردية، وكذلك بالنسبة للقضاة. وأوضح أنه يجب التساؤل إذا كانت هناك حدود مقبولة للحريات الفردية، مؤكداً أنه يجب البحث عن كيفية التوفيق بين تطوير المجتمع والقيود المجتمعية، وداعياً إلى ضرورة الاستماع إلى جميع الآراء في مسألة الحريات الفردية ومقارنتها والأخذ بما يمكن أن يفيد المجتمع.

وقال محمد اوزين، عضو المكتب السياسي للحزب، إن العمل بمقولة كم حاجة قضيناها بتركها لا تنفع في مناقشة مسألة الحريات الفردية. وأكد أن موقف حزبه من مسألة الحريات الفردية وسطي ومعتدل، منبثق من الابتعاد من رياح الشرق وعدم الانغماس في رياح الغرب، والحفاظ على «تامغرابيت» (أي الخصوصية المغربية)، على حد تعبيره.

أما محمد ساجد (أمين العام حزب الاتحاد الدستوري) فذكر أن موضوع الحريات الفردية حساس، مشيراً إلى أن الأحزاب السياسية بجب أن لا تنظر لهذه المواضيع من زاوية أنها ستسبب لها مشاكل سياسية وانتخابية، بل أن تكون لها الشجاعة لتناول هذه المواضيع. وأوضح أن القانون الجنائي يخضع للنقاش منذ سنوات، و»أننا بقينا وسط الطريق ولم نتقدم، علماً أن بلادنا تطالبنا بالتقدم، ويجب أن لا نبقى جامدين في بعض المواقف خاصة فيما يتعلق بالحريات الفردية»، على حد قوله.

وتابع قائلاً إن الجميع محرج من القضايا التي أثيرت في السنوات الأخيرة، لأن القانون جامد ولم يتطور في حين أن المجتمع يتغير، ولاحظ أنه بسبب الفراغ في بعض القوانين تحدث في بعض الأحيان حالات «شرع اليد». وشدد على أن جميع الأحزاب السياسية مسؤولة عن تقدم مشروع القانون الجنائي.

ونقل موقع «لكم» عن مصطفى الرميد (وزير الدولة المكلفة بحقوق الإنسان) قوله إن المغرب فتح في المرحلة السابقة موضوع الإصلاح الشامل لمنظومة العدالة، ومن بينها القانون الجنائي الذي كان من المفترض أن يعدل بشكل كامل، لكن مع الأسف، هذا لم يحدث بسبب انتهاء الولاية الحكومية السابقة، وتم بعد ذلك الاقتصار على بعد التعديلات الضرورية اللازمة فقط. واعتبر أن المذكرة التي تقدم بها «المجلس الوطني لحقوق الإنسان» مهمة جداً، لكنها ناقشت بعض المواضيع غير الخاضعة للتعديل في القانون الجنائي، موضحاً أنه لا يجوز أن نضع أي خطوط حمراء أمام المجلس الوطني لحقوق الإنسان، لكن في الوقت نفسه الحكومة غير ملزمة بآرائه. وأبرز أن الحرية هي حق أصيل من حقوق الإنسان لأن الوجود الإنساني قائم على تكريم الانسان، والأصل في الأمور هو الحرية والإباحة، مشيراً إلى أن الأمر الحاسم في تحديد مساحة الحرية هو منظومة القيم السائدة داخل المجتمع، سواء ارتبطت هذه المنظومة بما هو ديني أو قانوني أو مجتمعي.

الاستغلال

وأشار أن «القانون المغربي لا يعاقب على تغيير الدين، والموجود هو زعزعة عقيدة مسلم عبر استغلال الهشاشة العمرية والاجتماعية، مثل استغلال الأطفال في وضعية صعبة في المآوي والملاجئ، واستغلال فقر الناس لإقناعهم بتغيير معتقداتهم، أما مَن يغيّر دينه بشكل تلقائي فتنطبق عليه قاعدة «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر».

وأكد أنه «ليس للدولة نهائياً الحق في اقتحام الفضاء الخاص والتجسس والتلصص وكسر الأبواب على الراشدين الراغبين في ممارسة حميمياتهما»، مضيفاً أن «مسألة إفطار رمضان كذلك مرتبطة بالفضاء، فمن ولج مكاناً مغلقاً من حقه أن يمارس قناعاته كما شاء».

أما النائبة البرلمانية آمنة ماء العينين التي كانت أثارت ضجة منذ شهور بسبب ظهور صورة فوتوغرافية لها وهي ترتدي لباساً صيفياً بدون حجاب في باريس، فقالت خلال منتدى «الجامعة الشعبية» إنه ليس من الدين في شيء أن يقتحم الأمن بيوت الناس وأماكنهم الخاصة لاعتقالهم في قضايا مرتبطة بالحريات الفردية، ولاحظت أن القيادات السياسية معزولة عن النقاش الدائر حول الحريات الفردية، والحال أنه يجب أن تكون للأحزاب الجرأة في طرح مواقفها بخصوص الحريات الفردية وأن لا تخاف من المجابهة.

وأضافت قائلة: «لست متأكدة أن هناك إرادة سياسية في التعاطي مع مسألة الحريات الفردية، وعند مناقشة هذا الموضوع لا نصطدم بالعائق الديني بل بالعائق المجتمعي».
وأكدت أن القانون الجنائي ليس له علاقة بالتحريم والتحليل، وإلا لتمت معاقبة تارك الصلاة والصيام، بل له علاقة بالتجريم، فليس من الدين في شيء أن يقتحم الأمن بيوت الناس وأماكنهم الخاصة عندما يتعلق الأمر بالحريات الفردية.

وسبق لـ«مركز المقاصد للدراسات والبحوث» المقرب من حركة «التوحيد والإصلاح» الذراع الإيديولوجي لحزب «العدالة والتنمية» الذي يقود الحكومة، أن نظم ندوة حول موضوع «الإجهاض بين مطالب الإباحة والتجريم»، حيث قال المحامي والنائب البرلماني نجيب البقالي إنه من غير المعقول أن تطالب بعض التيارات بإلغاء عقوبة الإعدام وفي نفس الوقت المطالبة بإباحة الإجهاض. واعتبر الإجهاض إعداماً للجنين قبل خروجه للحياة، مسائلاً تيار الدعاة إلى إباحة الإجهاض، عن كيفية جمعهم لمطلبي إلغاء حكم الإعدام وإباحة الإجهاض، باعتبارهما شيئين سيان. وأضاف النائب البرلماني أن «الجنين ما هو إلا أمانة في رحم أمه، وأن هذه الأخيرة ليس لها حق تحديد إن كان سيعيش أم لا»، موضحاً أن «الدين يعتبر الجنين إنساناً كامل الحقوق، ومنحه حقوقاً توازي حقوق والديه، تبدأ باستحالة توزيع التركة قبل الولادة، لمنح الجنين والرضيع فيما بعد حقه كاملاً ذكراً كان أم أنثى».

وأضاف المتحدث أن من الصعب أن يقع توافق حول موضوع الإجهاض بين جميع التيارات، مشيراً إلى أن «اللجنة الملكية خلصت إلى أن الشعب المغربي وقواه الحية تطالب بتجريم الإجهاض، فأكثر من 75 مذكرة قدمت إلى اللجنة طالب أغلبها بتجريم الإجهاض، وإباحتها في بعض الحالات عندما يشكل الحمل خطراً على حياة الأم، أو في حالة الخلل العقلي للأم، أو الحمل الناتج عن اغتصاب، أو حمل ناتج عن زنا محارم، أو في حالة وجود تشوهات خلقية الحادة عند الجنين».

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق