الجانب الصحي من فيروس كوفيد-19 في زمن الوباء السياسي

31 مارس 2020
الجانب الصحي من فيروس كوفيد-19 في زمن الوباء السياسي

الصحافة _ المهدي بوتمزين

في لحظة زمنية مفاجئة غفلتها حتى تقارير أجهزة الإستخبارات العالمية, حيث وقفت الدول؛ بما فيها القوة العالمية الأولى الولايات المتحدة الأمريكية مشدوهة أمام حقيقة أزمة صحية عابرة للحدود, جعلت الدول أمام إمتحان عويص أو كما وصفها مايك بومبيو بالتمرين الأساسي .

في سياق الأحداث التي سبقت فيروس كورونا , كان العالم على المحك و قاب قوسين أو أدنى من حتمية مواجهة عسكرية مباشرة , حيث تبدَّى أن طهران لن تكتفي بقصف القاعدة الأمريكية في العراق ردا على إغتيال اللواء قاسم سليماني , فكانت تداعيات الصراع بين واشنطن و طهران تنبئ بحرب استنزاف طويلة الأمد و بعيدة الأفاق تهدف إلى تعزيز أدرع إيران في سوريا و العراق و اليمن … . في جانب أساسي اَخر تعددت مواقف الدول تجاه إعلان دونالد ترامب لصفقة القرن التي يراد بها إنهاء القضية الفلسطينية وفق رؤية أمريكية – إسرائلية ؛ واضعة في الإعتبار تداعيات الموقف الأوتوقراطي التحكمي الذي لن يتمتع بمساحة اَمنة من قَدَر رد سياسي أو مسلح . المواجهة الفاصلة كانت مهيئة في أكثر من نقطة جغرافية بدءا من وحل ونفط الشرق الأوسط إلى ثكنات و جحيم الصواريخ في كوريا الشمالية .

في هذا السياق الكرونولوجي الدرماتيكي و في حمأة الملحمة الاَنية الباردة , كان مجموع الدول و التكتلات الإتحادية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية او بعد سقوط الإتحاد السوفياتي, يعرف أعراض ما قبل الأزمة الفاتكة , فالإتحاد الأروبي بدأ يتصدع على الأقل عضويا و هيكليا بخروج بريطانيا منه, مما خلف اَثارا على مستوى الوضع الإقصادي و السياسي لدول الإتحاد الأخرى لاسيما ألمانيا . وعطفا عليه صرح وزير المالية الهولندي فوبكه هوكسترا أن ”البريكسيت ليس انتصارا للندن و لا لبرلين و لا باريس ولا حتى لاهاي , إنه إنتصار لموسكو و بكين” .

ففي تقرير نشره المجلس الأروبي سنة 2019 يتوقع أن يتفكك التكتل الأروبي خلال عشرين عاما المقبلة على أعلى تقدير . و المعطى الذي يوطد و يزكي هذا الإستشراف, حصيلة اَثار فيروس كوفيد-19 على إيطاليا خاصة , حيث تجلَّت حقيقة الإتحاد و ماَله ؛ في خضم الغضب الشعبي الإيطالي من تخلي الأروبي عن الأروبي و مساندة منقطعة النظير من الشيوعية في كوبا و الصين في مقابل مصادرة التشيك كعضو في الإتحاد لمساعدات صينية موجهة لإيطاليا ؛ مما حدى بالبعض إلى وضع العلم الصيني و الروسي بدل مثيله للإتحاد الأروبي .
التصدع على مستوى التكتل تُجاريه نزاعات و خلافات داخلية للدول , ففرنسا كانت تشهد إحتجاجات أصحاب السترات الصفراء منذ نونبر 2018 , تظطلع بها فئات من الطبقة العاملة تطالب بتجميد الضرائب عليها و تقليص الفوارق الإجتماعية . مما شكل أزمة داخلية كالتي طبعت عهد نيكولا ساركوزي إبان الأزمة المالية .

صراع الزعامة بين بكين و واشنطن كان في ذروته , فالرئيس الأميركي و رجل الأعمال دونالد ترامب أعلن حربه التجارية على الصين في مجازفة خطيرة لا يمكن مقارنتها بالتي يباشرها ضد طهران ؛ كان من بين تجلياتها الأخيرة تعليق شركة جوجل العالمية أعمالها التجارية مع شركة هواوي كبرى شركات الإتصال الصينية .

التركيز على الحرب الباردة بين واشنطن و بكين مهم جدا , لأن تمظهراته و نتائجه تحكم الإطار الكامل الذي تتموقع داخله سائر القطاعات في العالم . أكثر من هذا المعطى , نعتبر أن مجمل الخسائر المترتبة عن صراع الزعامة قد يتحمل نتائجها المأساوية بنسبة كبيرة , دول العالم الثالث .

لو افترضنا أن فيروس كوفيد-19 حرب بيولوجية باشرتها إحدى هاتين الدولتين , أو في أقل مستوى من الإفتراض اعتباره خطأ في حماية المختبرات , فإن كلا البلدين اضطلع بدور جهوري في البحث العلمي بغية امتلاك أفضلية السبق في تسويق اللقاح و إحتلال مكانة مهمة في نظر دول العالم . أما دول العالم الثالث فتكتفي بإجراءات الحجر الصحي المدعومة بالمقاربة الأمنية التقليدية المتسلطة في كثير من الأحيان .

الصين بدورها كانت تعيش حالة من الفوضى الداخلية بسبب الإحتجاجات في هونج كونج و الصورة القاتمة التي رُوجت عنها بسبب جرائمها ضد الإنسانية؛ التي ارتكبتها في حق المسلمين الإيغور . الولايات المتحدة الأميركية كانت تخوض حروبها في أكثر من جبهة , و الشأن نفسه بالنسبة للسعودية في حربها ضد الحوثيين و هلم جرا .

لكن بعد ظهور فيروس كورونا المستجد وما استتبعه من إجراءات الحجر الصحي و إغلاق المساجد و الكنائس و الملاعب و منع المظاهرات و المؤتمرات و التجمهرات , بدأ إحساس عام بانخفاض وتيرة المعارك و الحروب . أبعد من هذا الأمر أصدرت الدوائر العليا في تنظيم الدولة المسلح أوامرا إلى عناصرها في الخلايا النائمة و الذئاب المنفردة بعدم السفر إلى أروبا و تفادي تنفيذ أية عمليات اَنية تجنبا لإصابتهم بعدوى الفيروس .
نتائج إنتشار هذا الكائن الميكروسكوبي القاتل تمخض عنه شعور بالرُّهاب العام بلغت حدته أن ينتحر وزير المالية لإحدى الولايات الألمانية ” توماس شيفر ” خوفا من ثلاثاء أسود جديد يضرب أسواق المال العالمية . الصورة العامة التي رسمها هذا الكائن الغير الحي تطابق لوحة ” الصرخة ” للفنان إدفارت مونك .
المستشفيات الأوروبية المصنفة خمسة نجوم و نظم الصحة الجيدة المعمول بها في العالم الغربي – دول العالم الأول – لم تجدي نفعا في مواجهة نتائج المراحل الأولى من تفشي كوفيد-19 . وتقعيدا عليه أضحى العالم يدرك مبدئيا أنه لا مندوحة من استتباب الأمن في دول العالم قاطبة ؛ كما أشار إلى ذلك الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس قائلا : ” إن غضب الفيروس يوضح حماقة الحرب ”.

الحقيقة التي تبدو منطقية و في أعلى درجات الوضوح , أن الجو العام الذي كان سائدا قُبيل هذه الجائحة , كان ينذر بحرب عالمية مدمرة للحضارة الحالية و للقيم الإنسانية التي تبلغ أوجها في زماننا الحالي مع المواثيق و المعاهدات الدولية . و ظهور الفيروس في زمن الوباء السياسي جاء لإجلاء الصورة عن الحاجة للتخلص من النَزاعات الشخصية و تثمين ما بلغته البشرية في العلوم و الاَداب و الفنون و النأي بالذات عن أية حماقات صبيانية .

الجانب الصحي في كوفيد -19 , يتجلى في النقاط التالية :

1) معرفة النسق الصحيح الذي تُحتم البرغماتية نهجه , بما يبقي السلم و الأمن القومي و الكوني قائما . فالذات الفردية قاصرة عن بلوغ الحقيقة الكاملة , و إرادة الشعوب وجب أن تذعن لإرادة السماء بإحلال السلم و إحترام الاَخر.

2) الإحساس بالغير أو ” الأنا الأَخر ” و الخروج من الذاتية و الفردانية , مما يولد شعورا بمعرفة الحياة القديرة , التي يتشارك فيها جميع الناس .

3) أن تدرك دول العالم الثالث أهمية التعليم –لاسيما الإبتدائي منه – و البحث العلمي , للتمكن من مواجهة الأزمات التي لا يكفي فيها إحترام قرارات السلطة الوطنية الديمقراطية و القانونية , بل وجب البحث عن حل جذري وليس الترقيع الإدراي و السياسي . في مقامنا هذا نجد أن دول العالم العربي إكتفت بإدخال الناس إلى البيوت و الإذعان في المقاربة الأمنية و الدعاية الإعلامية دون تقديم أي أمل في إيجاد علاج وطني لا في الأفق المنظور و لا في العالم البرزخي . فتم الإكتفاء بعرض ما توصلت له مختبرات العالم , و لا أعتقد أنها ستتدارك هذا النقص في التعليم و الصحة حتى يخرج الجمل من سم الخياط .
4) توقف النشاط الإقتصادي في عدد من البلدان ساهم في إنخفاظ إنبعاثات الغازات السامة بما فيها ثاني أوكسيد النيتروجين , مما جعل الهواء يتحسن و يتخلص من التلوث .
الجائحة الحالية ستنتهي حتما , لكن السلوك البشري و القيم الإنسانية هي المعطى الذي وجب تغيره نحو الأفضل, بما يضمن إستمرار الحياة في جميع أقطاب العالم. فما نعيشه الاَن لا يمثل سوى أرقاما وراء الفاصلة , مقارنة مع حجم المأساة التي تعيشها الشعوب في ظل الحروب و الأنظمة الشمولية كما في سورياو العراق و بورما و القائمة تطول .

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق