الجامعي معلقاً على الحكم الصادر في حق هاجر الريسوني: المملكة الشريفة ليست سوى دولة يشنق فيها القانون ليلا ونهارا بجرة قلم ذهبي وقانونها يعتمد على محاضر الشرطة كأنها وحي يوحى وتجعل من كلام وكلاء الملك آيات مقدسة

1 أكتوبر 2019
الجامعي معلقاً على الحكم الصادر في حق هاجر الريسوني: المملكة الشريفة ليست سوى دولة يشنق فيها القانون ليلا ونهارا بجرة قلم ذهبي وقانونها يعتمد على محاضر الشرطة كأنها وحي يوحى وتجعل من كلام وكلاء الملك آيات مقدسة

بقلم: خالد الجامعي*

حين أدانوك سيدتي، فإنهم أرادوا إدانتنا، مواطنين ومواطنات، وتخويفنا وترهيبنا، وتكميم أفواهنا، وتحويلنا إلى قطيع لا يفكر إلا بتفكيرهم، ولا يؤتمر إلا بأوامرهم، لتكريس شبح الرعب وترسيخ مذلة الخنوع … ولكن.

حين أدانوك سيدتي، فقد اعتدوا على ما تبقى من مصداقية القضاء، ثم هبوا بنزق المتجبرين المستبدين إلى صلبه بمسامير حداد غلاظ على صليب الظلم والطغيان… واستبدلوا قوة القانون بقانون القوة.

حين أدانوك سيدتي، كشفوا الغطاء عن الوعاء، ليظهر واضحا جليا أن هذا القضاء جلبوه حتى كاد يلين او ينهزم أمام النفوذ والضغط السياسي… ، وغاب عنهم وهم في سكرتهم بالسلطة أنهم بمحاكمتهم إياك، إنما يحاكمون أنفسهم وما يشعرون…

حين أدانوك سيدتي، جاؤوا بالدليل القاطع والحجة البينة التي تفقأ الأعين على أن خطاباتهم الطويلة وثرثراتهم المستفيضة حول حقوق الإنسان وحرية التعبير وحقوق المرأة ما هي إلا مهازل وخدع وأراجيف ومناورات يشهد عليها من أهلها شهود كثر…

حين أدانوك سيدتي، داسوا بأقدامهم القذرة على القانون الجنائي وصلبوا الدستور باستخفاف طفل مدلل لا يخشى حسابا أو عقابا…

حين أدانوك سيدتي، أعلنوا على رؤوس الأشهاد أن المملكة ليست سوى دولة يشنق فيها القانون ليلا ونهارا بجرة قلم ذهبي على أبواب المدن وفي الأسواق والساحات العمومية…

دولة قانونها يعتمد على محاضر الشرطة كأنها وحي يوحى، وتجعل من كلام وكلاء الملك آيات مقدسة يأتي بها الروح الأمين من سدرة المنتهى، دون مراعاة لقول الله عز وجل:

(وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)

حين أدانوك سيدتي، جعلوا من المملكة الشريفة دولة تساس وتنظم ب”الصدفة” و “بكيفما اتفق” وهما مفهومان جديدان دخيلان على القانون، تفتح عبرهما سكة “براق” توصل في لمح البصر إلى متاهات التسلط والاستبداد، : وتؤكد أن الدولة تعطى أسوا الأمثلة على انتهاك القانون والمشروعية وأنها لا ترى باسا من خلق المساطر وصناعة حجتها وترتيب المحاكمات على قياس غاياتها وتجرعنا بذلك لعهد محاكم التفتيش.

حين أدانوك سيدتي، كشفوا لنا أن استقلال النيابة العامة جعلت من هذه المؤسسة الخطيرة غولا مروعا نصب نفسه جبارا فوق القانون بلا حسيب ولا رقيب، لأجل تقزيمنا وقص أجنحتنا وتحويلنا جميعا إلى معتقلين في حالة سراح مؤقت…

غير أنهم لم يعلموا، وهم في غبائهم يعمهون، أنهم صنعوا منك أيقونة من الأيقونات المحترمة وأدخلوك في سجل تاريخ المغرب…

وأنى لهم أن يدركوا أنهم بفعلتهم تلك، دفعوا المواطنين والمواطنات لمضاعفة الجهود لإنعاش وتعميق نضالهم من أجل تحقيق الحريات الفردية ومن أجل حق المرأة المغربية في التصرف في جسدها كما تشاء، لا كما يشاؤون هم…

حين أدانوك سيدتي، انتشلونا من سباتنا العميق وأزاحوا عن عيوننا المتناومة، دون أن يشعروا، غشاوة الغفلة والخمول، كي نتدارك ونهب للخروج من عبوديتنا الإرادية البغيضة…

حين أدانوك سيدتي، كانوا يحلمون ببناء مجتمع شبيه بالذي تصفه الكاتبة ماركاريت اوتود في روايتها “الجارية the handmaid’s tale “، حيث تم حصر دور المرأة في كونها إناء للولادة ما من دور لها سوى الرضوخ للرغبات والنزوات الجنسية للرجل، في ظل مجتمع لا حق للمرأة في تملك جسدها.

إعلمي سيدتي إن جميع المخططين والضالعين في هذه المحاكمة الخرقاء، الذين حاولوا طينا تحت جناحهم الحديدي، ما قاموا سوى بالخروج من جحورهم إلى العلن كي يدينوا أنفسهم إلى الأبد ويدينهم التاريخ وطنيا ودوليا، وليبرهنوا للعالم أجمع أن دار لقمان لا زالت على حالها، وأن حليمة لا زالت على عادتها القديمة، لأنها لم تغير شيئا من أدواتها البائدة الموغلة في تخلف القرون الظلامية البعيدة وسراديب الجاهلية البغيضة الأولى …

*خالد الجامعي: صحافي مغربي.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق