الإسلام السياسي والفيروس والنظام الملكي في “مملكة محمد السادس”

6 أبريل 2020
الإسلام السياسي والفيروس والنظام الملكي في “مملكة محمد السادس”

بقلم: عبد الحميد الجماهري*

اعتقد تياران راديكاليان من تيارات الإسلام السياسي الذي ينشط في بلاد “إمارة المؤمنين” في المغرب أن الوضع الذي أحدثه اجتياح فيروس كورونا، وما ترتب عنه من توضيبات سياسية وأمنية، في المغرب خصوصا وفي العالم عموما، مناسبة للتميز في إعادة تنشيط المعارضة للنظام. وقد توزع الموقف بين التياريْن المشار إليهما، واللذين ما زالا ينازعان الدولة في ما يعد مصادر شرعيتها أو سيادية قراراتها، وهما، كما يتمثلان في رمزين فيهما:

تيار السلفية الجهادية، أو ما تبقى منه في المغرب بعد الضربات التي جرّها على نفسه منذ مساندته تنظيم القاعدة والحروب الدينية في الشرق، ثم مساهمته، إن نظريا أو عمليا في أحداث المغرب الدامية منذ العام 2003. وقد فقد هذا التيار، ممثلا في الداعية عبد الحميد أبو النعيم، كثيرا من رمزيته، وأيضا من رموزه، أمثال أبو حفص، عبد الوهاب رفيقي الذي عاش في كنف أسامة بن لادن ردحا من الزمن، وتحول إلى ما يمكن أن يُطلق عليها “علمانية اجتهادية”، يصفق لها الحداثيون أكثر من إخوانه التقليديين، ومحمد الفيزازي، الذي صار يشغل الناس بزيجاته وآرائه في التعدد الزوجي أكثر من مواقفه من الحياة تحت مظلة النظام، وغيرهما من شيوخ هذا التيار الذي فقد أيضا حضوره، بفعل تجاوز الداعشيين له، في استقطاب الشباب الذين كانوا معه، مع الحرص على الارتباط بالخلافة في الرقة السورية والموصل العراقية، عوض الارتباط بالإسلام السياسي المحلي، ونزعاته الجهادية.

وعبد الحميد أبو النعيم، في أحدث وجوهه المثيرة كثيرا للجدل والغضب في أوساط واسعة من البلاد، خرج خروجا غير مسبوق في تاريخ الدولة المغربية، فقد اعتبر إغلاق المساجد درءا لمفاسد الإصابة بالفيروس، وتطعيم انتشاره بمورد بشري مهم للغاية، خروجا عن الشرع، وبالتالي أعلن “المغرب بلاد حرب”، ولم يعد بلاد إسلام!، ما يعني إعلان “الحرابة”، وفتح باب الجهاد ضد الدولة أو الطاغوت، بلغة السلفية الجهادية.

وقد كان ملك البلاد، محمد السادس، قد طلب، باعتباره أميرا للمؤمنين فتوى من المجلس العلمي الأعلى الذي يتولي شؤون الإفتاء في البلاد، ورخّص هذا الأخير بإغلاق المساجد مؤقتا، درءا للمفاسد وجلبا للمصالح، كما هو حال كل بلاد الإسلام جمعاء، وهو ما حاربه المعني أبو النعيم الذي اعتاد الهجوم على القوى اليسارية ورموز الوطنية والحداثيين وما يسميهم باللادينيين، وهي المرة الأولى التي جاهر فيها بتكفير الدولة علانية، ساعات قليلة بعد فتوى الترخيص بإغلاق المسجد. وفي بلادٍ يعتبر الملك فيها أيضا أميرا للمؤمنين، يعد هذا مجابهة حادّة للنظام وللشرعية الدينية للملكية. وقد ربطت تعليقات كثيرة بين دعواته وخروج متظاهرين في مناطق قليلة جدا، وفي ساعات الليل المتأخرة، للتكبير أو للصلاة قبالة المساجد في حدود أنفار قليلة مع ذلك، وقد اعتقل المعني بالأمر في حينه.

وفي قياسٍ مغايرٍ شكلا، لكنه يلتقي في جوهره مع منازعة الشرعية، صار ياسر العبادي نجل زعيم حركة العدل والإحسان، السياسية – الدينية، إلى منحى مجاور، اتهم فيه النظام بأنه “دكتاتوري وإرهابي”، وهو ما لم يسبقه إليه أحد في أدبيات الجماعة، حتى وبعض رموزه ترفض الإمارة أو ترفض الحكم العضوض أو العاض، كما نظّر له شيخها المؤسس الراحل عبد السلام ياسين الذي اشتهر برسالته “الإسلام أو الطوفان”، والتي بعثها في منتصف سبعينيات القرن الماضي إلى العاهل الراحل الحسن الثاني، دعاه فيها إلى حكم جديد، يتحالف فيه العلماء والجيش وأمير المؤمنين، قبل أن يتحوّل إلى غير ذلك فيما بعد، وقد صرح هو ذاته في عز الحراك المغربي في فبراير/ شباط 2011 بأنه “لا يعارض الملك الحاكم، وإنما يعارض الملك العاض، أي نظام الحكم”، وما يقصد به التوريث وجبرية التوريث، حسب ما كان يقوله.

وقد خرج الشيخ ياسين من الدعوة إلى التبشير بالقومة (الثورة)، ووضع لها تاريخا هو العام 2006، وكما يحدث دوما في التباشير المهدوية الانتظار، فإن القومة التي نتوقعها لا تحدث! والاصطلاح الذي ذهب إليه نجل المرشد الجديد يخرج من نطاق الفقه السياسي للجماعة إلى اصطلاحٍ يشذّ عنه. ويبدو أن قدر المرشدين العامين أن تكون لهما فلذات من طينة “جانحة”

إلى المصطلح السياسي المباشر الذي قد يقرأ أنه قاموسٌ يفضح عمق التفكير الذي يغذي مواقفهما، فقد سبق لنادية ياسين، ابنة الشيخ ياسين، أن دعت إلى الجمهورية نظام حكم، قبل أن تلتزم الصمت، وتضع بينها وبين الجماعة “حجابا”، ثم يواصل نجل المرشد الجديد اللغة ذاتها بالحديث عن الدكتاتورية والإرهاب. وقد سبق لوالده زعيم الجماعة، محمد العبادي، أن تحدّث في موضوع الوباء، واعتبره، كما تقتضي ذلك أدبيات الجماعة وكثير من الإسلام السياسي، “جندا من جنود الله”، وأنه وباء لتذكير الناس بدينهم، وقد يكون عقابا للناس، إلى آخره، وهو ما لم يثر حماسا كثيرا لدى الناس أو التعليقات، لكن الجماعة تنتظر واقعيا في الواجهة السياسية، فهي حركة ذات وجود في نقابات وهيئات مهنية لا يستهان بها، منها القوية ومنها الناشئة، كما توجد في قطاعات سوسيو- مهنية وازنة، كالأطباء والمهندسين والمحامين، وتشكل محاورا سياسيا بـ”الخلف” كما يقول المناطقة، في هياكل نقابية كثيرة، عبر أفرادها. كما تحضر كمضمر سياسي في مواقف وبيانات وإجراءاتٍ كثيرة تقوم بها الحكومة، كما حدث في الإضرابات الشهيرة للأساتذة المتعاقدين مع الدولة، أو الطلبة الأطباء وحربهم طويلة المدى.

واضح أن الجماعة وضعت ماءً كثيرا في فنجانها، عندما أعلنت أنها لا تعرف لماذا اعتقل نجل المرشد، في موقف مبكّر للتملص من تبعاته، كما أن القضاء ظل في حدود الخروج عن الإجراءات الحالية لحفظ النظام العام، كما يتضح من الأحكام أو التكييفات القانونية لمتابعة نجل المرشد، فقد دانت محكمة في الدار البيضاء، يوم 03 إبريل/ نيسان الحالي، أبو النعيم بسنة سجن نافذة وغرامة ألفي درهم مغربي، بتهمة التحريض بواسطة الأنظمة المعلوماتية على  ارتكاب جنايات وجنح ضد الأشخاص، والتحريض على عرقلة أشغالٍ أمرت بها السلطة والتحريض على الكراهية، وهو تسويغ يريد أن ينزع الطابع “الاستراتيجي العقدي” عن أية متابعة، وحصرها في الإخلال بالنظام العام. وفي قضية ياسر العبادي، نجل الأمين العام لجماعة العدل والإحسان، فقد تقرر عقد جلسة المتابعة يوم 22 يونيو/ حزيران، بتهم “إهانة هيئات منظمة والتحريض على خرق حالة الطوارئ الصحية”.

والواضح أن عقل الدولة المغربية القضائي، من خلال تكييفات المتابعة، سواء في حق أبو النعيم السلفي أو ياسر العبادي العدلوي، تحصنت بالقرارات المتعلقة بحفظ السلامة والصالح العام، عوض أي تسويغ آخر في المتابعة، ربما يكون قد قصده أصحاب المجاهرة بالقذف في حقها أو التحريض ضدها، وإدراج نقاط في جدول الأعمال الوطني، لا تسمح به المرحلة الحالية، والبلاد معبأة ضد كورونا.

والواضح أن الإسلام السياسي “القانوني” أو الحزبي، الذي يقود حكومتين منذ الربيع المغربي في فبراير/ شباط 2011، يتعامل بحذر مع المعطى العقائدي. ويقرّ بإمارة المؤمنين والملكية. وفي الظروف الحالية، تابع المغاربة أن رئيس الحكومة، وهو في الوقت نفسه الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، تفادى التعليق على موضوع إغلاق المساجد، قبل اتخاذه، إذ حل ضيفا في برنامج خاص ومباشر، بثته قنوات مغربية عمومية مساء 14 مارس/ آذار المنصرم، وتحاشى الجواب على سؤال يتعلق بمنع التجمعات المكثفة التي يمكن أن تعطل قرار الحجْر الصحي ميدانيا، فأحال الموضوع على وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، في وقت يعتبر وزيرها وزيرا في حكومته. وقد جاء الرد، لا من الوزارة، بل من المجلس الأعلى العلمي، بطلب من الملك.

*عبد الحميد الجماهري: عضو المكتب السياسي لحزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق