أكذوبة الإنصاف والمصالحة!.. من يتحمل مسؤولية ما نحن فيه هل الدولة أم المجتمع والضحايا؟

8 يوليو 2019
أكذوبة الإنصاف والمصالحة!.. من يتحمل مسؤولية ما نحن فيه هل الدولة أم المجتمع والضحايا؟

الصحافة _ هدى اليازيدي

إنطلقت قبل 14 سنة تقريبا أشغال لجنة الإنصاف و المصالحة، في محاولة تجميلية للحاكم الجديد للمغرب، و أنطلقت معها ملفات العشرات من ضحايا سنوات الجمر و الرصاص التي وقعها الحسن الثاني، في البعث من قبور و أقبية حامليها كمدا و حسرة لسنوات. و كان تأسيس اللجنة من ثلة من ضحايا الإنتهاكات الجسيمة، برئاسة المرحوم بن زكري ورفاقه في الغبن و الظلم. فاستبشر المغاربة خيرا، خاصة وأن لجنة الإنصاف و المصالحة، قيل أنها جاءت للقطيعة مع مثل هذه الممارسات، و جبر ضرر الضحايا المادي والمعنوي و المجالي، إضافة إلى إعتذار الدولة عن أفعالها الجرمية الماسة بحقوق الإنسان المغربي، والحاطة من كرامته.

لكن وبعد نشوة جلسات الإستماع الطويلة، التي كانت مدعاة لذرف الدموع، وقشعريرة الأبدان من هول الحكايات المرة لبعض الضحايا. تم تعويض من قبلت ملفاتهم لن يصل حد مفهوم التعويض مهما صرفت لهم من أموال، لأن فيهم من فقد حياته أو أعضاءه أو سنوات عمره في السجون السرية و غير السرية تحت طائلة التعذيب الممنهج و الطويل.

وبعد إلزام الدولة، ورغم كل نواقص النسخة المغربية في العدالة الإنتقالية، إستبشر الحقوقيون و السياسيون خيرا خاصة بعد إلزام الدولة بالقطيعة مع كل أشكال التعذيب، والإلتزام بوضع قوانين و مؤسسات لحماية و تكريس مبادئ حقوق الإنسان، وزرعها في أذهان الأجهزة الأمنية و القضائية…

وبالفعل، تمت دسترة مجموعة من المؤسسات من قبيل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، و مؤسسة الوسيط، و المجلس الإجتماعي و الإقتصادي و البيئي…، بل أصبح لدينا اليوم بدل وزارة واحدة مهتمة بحقوق المغاربة ( وزارة الدولة مكلفة بحقوق الإنسان و المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان).

لكن أمام كل هذه الالتزامات التي قطعتها الدولة على نفسها إبان إنطلاق هيئة الإنصاف والمصالحة، و أمام هذا التضخم في عدد المؤسسات الدستورية والمدنية التي تعنى بحقوق الإنسان، نسجل تراجعا بل و ردة حقوقية في الوطن الحبيب. و هنا نسائل مهندسي مشروع العدالة الإنتقالية، هل هم راضون على إعتقال ساكنة زاكورة فقط لأنهم خرجوا في إطار ما سمي بثورة العطش. فكان مآلهم المحاكمات والسجن؟، كيف سيكون رد فعل المرحوم بن زكري حول اعتقال أبناء جرادة ضحايا الخبز الأسود. وتوزيع سنوات سجنية عليهم بدل تأسيس نموذج تنموي يضمن لهم حقوقهم الدستورية المشروعة؟. هل يعرف أعضاء لجنة الإنصاف و المصالحة أن أبناء الريف وزعت عليهم قرون سجنية لأنهم طالبوا بجامعة و مستشفى و توفير فرص العمل؟.

إن حرق جثث 5 مغاربة ورميها أمام وكالة بنكية بكل سادية، واستشهاد عماد العتابي الذي يقول البوشتاوي أنه قتل على إثر رصاصة في الرأس في أحداث الحسيمة. و اعتقال الصحفي حميد المهداوي بتهمة أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها تهمة ميتافيزيقية لا توجد الا في عقول جلاديه. إضافة إلى محاكمة الصحفي توفيق بو عشرين الماراطونية و ما عرفته من تجاوزات بداية من طريقة الاعتقال مرورا بفصول المحاكمة ابتدائيا واستئنافيا. و ماذا سيقول أصحاب الإنصاف والمصالحة لأم مكلومة تم دهس إبنها بلا رحمة بسيارة تابعة لقوات الأمن، جعلت عبد المولى زعيقر يعاني من عاهة مستديمة لأكثر من سنة دون تدخل الدولة لعلاجه. دون أن ننسى شهيد الحركة التعليمية المرحوم الحاجيلي…

كل هذه الحالات و غيرها مما تم رصده و توثيقه بعد العدالة الإنتقالية المغربية، ألا يعتبر ردة حقوقية تقتضي من كل متتبع القول بأن حليمة عادت إلى عادتها القديمة. لأن المغاربة الذين كانوا يحاكمون بسبب منشورات في السبعينات هم أنفسهم من يحاكمون اليوم بسبب تدوينات، اللهم إلا الأسماء فقط هي التي تختلف.

وهنا يطرح سؤال جوهري حول من يتحمل مسؤولية ما نحن فيه. هل هي الدولة بجميع مؤسساتها الوسيطة؟، أم المجتمع و الضحايا؟.

أعتقد أن الفلسفة التي بني عليها مشروع الإنصاف والمصالحة، كانت تحمل في طياتها نواقص كثيرة، من قبيل اقتصارها على فترة زمنية دون أخرى في جبر ضرر الضحايا و قبول الملفات. كما أن العديد من الضحايا الأحياء لا زالوا الى اليوم يناضلون من أجل أن توفي الدولة بما التزمت به اتجاههم. إضافة إلى أن الدولة رغم أنها أخرجت العديد من المؤسسات الحقوقية للوجود و عززتها بترسانة قانونية حقوقية بما فيها الاتفاقيات الدولية الجديدة التي وقعت عليها، إلا أنها لم توفي بالتزامها بعدم الرجوع إلى مثل تلك الأفعال. و عدم الالتزام هذا سببه، أولا قبول ضحايا الإنصاف والمصالحة بالتعويض المادي و سكوتهم عن عدم اعتذار الدولة عما ارتكبته من خروقات في حقهم، كما أنهم ( اي الضحايا ومعهم الشعب المغربي )،سكتوا عن محاكمة الجلادين و قضاة التعليمات الذين شاركوا في محاكمات صورية للضحايا.هذا اضافة الى قبول الشعب المغربي و من ورائه مختلف الهيئات الحقوقية و السياسية باستصدار شهادات الوفاة للشهداء و المفقودين و قبور قيل أنها لفلان أو علان من الناس.

وفي الأخير، أقول أن العبرة ليست بالكم الهائل من المؤسسات، و لكن بالكيفية في الاشتغال و الفعالية والاستباقية في تدبير شؤون المغاربة. و هذا يقتضي حكامة جيدة داخل كل مؤسسة، و إرادة سياسية في بث الحياة في المؤسسات من خلال اشتغالها بكل حرية و استقلالية في إطار قانونها المنظم فقط دون تدخل من أي جهة كانت. و هذا لن يتأتى إلا بشعب مستيقظ من سبات الاهتمام بالتفاهة مما يجعله لقمة سائغة في أفواه التماسيح و العفاريت. ولعل هذا هو دور النخبة المثقفة ورواد وسائل التواصل الاجتماعي لاستنهاض همم الشعب وإنقاذه من براثين العبودية والتبعية حتى يستمر في المطالبة بدوران عجلة التنمية باستمرار، الى جانب عجلة الكرامة والحقوق والحريات التي لا زالت تغتصب الى اليوم وفي واضحة النهار بلا حشمة بلا حيا.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق