“أبطال بلا مجد” يحلمون بالفردوس الأوروبي.. و”إيفانكا” تفك المعادلة السحرية في المغرب!

9 نوفمبر 2019
“أبطال بلا مجد” يحلمون بالفردوس الأوروبي.. و”إيفانكا” تفك المعادلة السحرية في المغرب!

بقلم: الطاهر الطويل*

ها هو ذا الشعب المغربي يُبدع أشكالا جديدة للاحتجاج على تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، مُستعينًا بمنتجات الثورة التكنولوجية المعاصرة وبشبكات التواصل الاجتماعي المختلفة. فمن الأناشيد الحماسية القوية التي يرددها شباب الأندية الرياضية في ملاعب كرة القدم، إلى أغاني “اليوتيوب” المفعمة بالتمرد والصراخ ضد الإهانة والظلم والاستغلال، يولد “ربيع مغربي” ثانٍ، يتأكد معه أن الوعي الجماهيري بدأ في التبلور أكثر، وأن الحاكمين مطالبون بالإنصات إلى نبض المواطن، والاستجابة لانتظاراته ومطالبه، من خلال حلول عملية، وليس بالشعارات الجوفاء والكلام المعسول.

واللافت للانتباه أن بعض القنوات التلفزيونية العربية والغربية تتلقف دينامية الوعي هذه فتسلط الأضواء الكاشفة عليها، فيما يغض الإعلام الرسمي المحلي الطرف عنها، بحكم التماهي الموجود بينه وبين السلطة.

أقوى أشكال الاحتجاج وأكثرها إيلاما جاءت هذه المرة من على قوارب الموت ومن وسط أمواج المحيط العاتية؛ إذ لم تعد مغامرة الهجرة السرية مقتصرة على الشباب العاطل، وإنما صارت تشمل حتى بعض نجوم الرياضة، ممن حققوا إنجازات مهمة في مجالاتهم.

منذ أسبوعين، رصدت القناة الفرنسية “فرانس 24” حكاية شاب اسمه أنور بوخرصة (27 سنة)، بطل في رياضة التيكواندو، أقدم على رمي ثلاثا من ميدالياته وهو على متن قارب للهجرة السرية رفقة شبان آخرين، انطلق من مدينة آسفي، وكانت الوجهة إحدى جزر الكناري الموجودة في المحيط الأطلسي والتابعة لإسبانيا. وصوّر البطل المذكور بهاتفه المحمول عملية رمي الميداليات في البحر، لأنها برأيه لا تساوي شيئا. وكالنار في الهشيم، انتشر الفيديو عبر مختلف منتديات التواصل الاجتماعي، حيث اختلفت التعليقات ما بين مؤيد لذلك السلوك ومنتقد له. ثم واكبت قناة إسبانية الأيام الأولى لوصول أنور بوخرسة إلى جزيرة “لانزروت” بعدما قطع مسافة تفوق 500 كيلومتر لمدة أربعة أيام، حيث رأى الموت بعينيه. ولكن، كل شيء يهون إلا الظلم و”الحُقرة” والإهانة والاضطهاد، مثلما نقل على لسانه، معربا عن أمله في مواصلة مشواره الرياضي ووضع تجربته رهن الأطفال والفتيان الإسبانيين.

ظاهرة مستفحلة

لم يكن بوخرصة الرياضي الوحيد الذي اختار ركوب المخاطرة في أحضان البحر، بشكل سري، فقد سبقه إلى ذلك علي حبابا (لاعب فريق أولمبيك آسفي لكرة القدم)، وهشام كلوش (لاعب منتخب الشباب لكرة القدم). لكن الحظ لم يكن بجانب البطل المغربي الشاب في رياضة “الكيك بوكسينغ” أيوب مبروك، إذ أسلم الروح إلى بارئها وهو على متن قارب مطاطي انقلب في البحر قبالة السواحل الإسبانية، مما أدى إلى وفاة أكثر من عشرة شباب مغاربة كانوا اختاروا مغامرة الهجرة غير الشرعية.

يلجأ لاعبون آخرون إلى أسلوب مغاير، يتجلى في الاختفاء أثناء مشاركتهم في مسابقات رياضية بأوربا، فعلت ذلك مريم بوحيد لاعبة المنتخب المغربي لكرة القدم النسائية أثناء وجودها في إسبانيا، وفعلها أيضا هشام بولعسل (بطل المغرب في الكرة الحديدية) خلال مشاركته في مسابقة رياضية دولية أقيمت في بلجيكا نيسان/ أبريل المنصرم، إذ اختفى من الفندق الذي كان يقيم فيه، علما بأن سنه لا يتجاوز 16 عاما.

من هنا، يبدو أن الظاهرة آخذة في الاستفحال والانتشار، لكن السلطات الحكومية المغربية لا تواجهها سوى بالشعارات المنقولة عبر وسائل الإعلام المختلفة، مثلما تردد منذ عام على لسان وزير الشباب والرياضة السابق، إذ كشف عن وجود “مشروع” للحد من الهجرة السرية للرياضيين، ولم يكن المشروع سوى كهشيم تذروه الرياح، شأنه في ذلك شأن الكثير من الوعود والمشاريع والبرامج التي يرددها المسؤولون آناء الليل وأطراف النهار.

وحين نتحدث عن “حريك” الرياضيين المغاربة، فليس في ذلك ميلا إلى تزكية هذا الأسلوب من المخاطرة بالنفس، ولا تسليما مطلقا بالحجج التي يقدمونها مبررا لركوب الموج أو الاختفاء في ديار الغربة، ولكن الأكيد أن السيل بلغ الزبى، أو كما يقول المثل المغربي “وصل السكين إلى العظم”، أمام انسداد الآفاق وغياب الاعتبار والكرامة الإنسانية.

وتشير الأرقام الرسمية إلى أن الهجرة السرية للمغاربة، عمومًا، تسجل ارتفاعا مضطردا، فخلال الثمانية أشهر الأولى من السنة الماضية رصدت السلطات 54 ألف محاولة للهجرة مقابل 39 ألف خلال الفترة نفسها. كما كشفت المنظمة العالمية للهجرة أن 6000 مغربي التحق سرا بالأراضي الإسبانية ما بين كانون الثاني/ يناير وأيلول/ سبتمبر 2018 مقابل 2700 خلال الفترة نفسها من العام 2017.

وإذا استحضرنا نتيجة استطلاع للرأي، أوضحت أن ثلث المغاربة يرغبون في الهجرة إلى دول أخرى متقدمة، نفهم الواقع الذي تعيشه البلاد والذي تحاول وسائل الإعلام الرسمية تجميله بمناسبة أو بدونها، عبر تكريس نوع معين من المواد الإخبارية والترفيهية، وكذا عبر تضخيم الاهتمام بالرياضة، ولاسيما كرة القدم.

فلسنين طويلة، سعى الحاكمون إلى جعل هذه الرياضة أداة للتخدير والإلهاء وشغل الناس (وخصوصا الشباب) عن الواقع اليومي المليء بالجراحات والندوب، ولكن السحر انقلب على الساحر في النهاية، فصرخت الجماهير حينا: “في بلادي ظلموني” وحينا آخر “هاذي بلاد الحكرة”… واهتزت لها مدرجات الملاعب، ووجدتها بعض القنوات التلفزيونية فرصة سانحة للمز والهمز في حكومة سعد الدين العثماني.

إيفانكا والنساء الريفيات

احتلت زيارة إيفانكا ترامب نجلة الرئيس الأمريكي ومستشارته إلى المغرب، أول أمس، حيزا وافرا من اهتمام النشرات الإخبارية التلفزيونية، رغم تزامن الحدث مع التغطية الإعلامية الواسعة التي أُفردتْ للذكرى الرابعة والأربعين “للمسيرة الخضراء” التي تؤرخ لاسترجاع المغرب صحراءه من الاستعمار الإسباني.

كل هذا بدا مفهومًا، خاصة بالنظر للعلاقات القوية التي تربط بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية. لكن غير المفهوم هو أن نجلة ترامب فضّلت أن يكون نشاطها صباح اليوم الموالي (أي أمس الخميس) في بادية مدينة سيدي قاسم، المنطقة المهمشة من لدن السلطات منذ سنين عديدة، والتي ارتبط اسمها بأحد رجال العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني، يتعلق الأمر بالجنرال الراحل أحمد الدليمي الذي توفي في حادثة سير ما زالت ملابساتها غامضة.

وبثت قناة روسيا اليوم ـ بالعربية ـ تقارير مصورة لـ”إيفانكا”، وهي تتجول صحبة نساء مغربيات ينتمين إلى المنطقة المذكورة، كما أفادت مواقع إخبارية محلية أن نجلة الرئيس الأمريكي أشرفت على عملية “تمليك” الأراضي للنساء “السلاليات” في إطار برنامج “مبادرة التنمية والازدهار العالمي للمرأة”. وكأن الدولة بحكومتها وأحزابها وأجهزتها وإداراتها المحلية كانت عاجزة عن حل مشكلات التمليك، حتى جاءت نجلة ترامب.

ويبدو أن الاحتفاء بإيفانكا لم يقتصر على تصميم لباس خاص بها من طرف مصممة مغربية، بل شمل أيضا إقامة مهرجان خطابي لها، باعتبار المعنية بالأمر ساهمت في إعطاء أولئك النساء حقوقهن، كما قيل؛ فلا ريب إن نشرت صحيفة إلكترونية محلية صورة لامرأة ريفية وهي تقبّل يدي السيدة الأمريكية المنشرحة. ربما في ذلك شكر للخير العميم الآتي من بلاد العام “سام”!

كاتب صحافي من المغرب

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق