آلاف المهاجرين في المغرب يعيشون ظروفاً مزرية في ظل حالة الطوارئ الصحية والقيود التي تفرضها على العمل والحركة

20 أبريل 2020
آلاف المهاجرين في المغرب يعيشون ظروفاً مزرية في ظل حالة الطوارئ الصحية والقيود التي تفرضها على العمل والحركة

الصحافة _ وكالات

المهاجر في زمن «كورونا»، بالشكل النظامي وغير النظامي، وجد نفسه في عالم غير العالم، عالم تغيرت معالمه وتقطعت طرق وصاله بعد غلق جل دول العالم حدودها، فلا بواخر تمخر المحيط بين إفريقيا وأوروبا، ولا طائرات تخترق الغمام، فقد توقف كل شيء تقريباً، كأنها النهاية أو بداية شيء ما.

فإن كان المهاجر النظامي قد فرض عليه الفيروس التاجي البقاء أو الموت بعيداً عن أهله وأرضه، فإن الجائحة قد خيمت على الحياة القاسية لمهاجري دول جنوب الصحراء بالمغرب، وعمقت صعوباتها القديمة.

المنظمة الدولية للهجرة تعرف معاناة المهاجرين بالعالم، لا سيما في هذا الوقت العصيب، وتنبهت لوضعهم، «فالإجراءات المتخذة للسيطرة على الفيروس التاجي تؤثر على المهاجرين حول العالم».

أيام الحجر والخوف

الآلاف من المهاجرين في المغرب يعيشون اليوم ظروفاً مزرية في حالة الطوارئ والقيود التي تفرضها على الحركة والعمل، فالمهاجرون المنحدرون من دول جنوب الصحراء شأنهم كالسواد الأعظم من المغاربة، مياومون في مهن غير رسمية ولا مهيكلة، وكثير منهم دون دخل لدفع الإيجار، ولا حتى لشراء قوت يومه.

ويشرح مهاجرون ونشطاء منظمات غير حكومة لـ»القدس العربي»، عبر الهاتف، أنه مع القيود الحالية من المستحيل السفر إلى السواحل المغربية لمحاولة عبور المحيط إلى أوروبا.

«إنهم يقاتلون من أجل خبزهم اليومي، لأنهم لا يملكون الموارد تقريباً، ويعيش كثيرون منهم على ما استطاعوا توفيره، وهو مبلغ ضئيل»، يقول الحقوقي سعيد الطبل، المسؤول عن قضايا المهاجرين بأكبر منظمة حقوقية في المغرب.

المالية دينغ، قررت مغادرة بلادها للبحث عن عمل، وعاشت في العاصمة المغربية لمدة ثلاث سنوات، ليست لديها إقامة، وتوضح لـ»القدس العربي» أنها قلقة من إغلاق صالون تصفيف الشعر الذي تعمل به في أحد الأزقة الضيقة بالمدينة القديمة، قائلة: «مثل باقي المهاجرين الآخرين، أعيش أيام الحجر بخوف».

ما تقوله دينغ ليس حالة منعزلة ولا هي تغريدة خارج سرب حياة من جاؤوا هجرةً من جنوب الصحراء الكبرى، فـ»العديد من المهاجرات والمهاجرين من دول جنوب الصحراء يعيشون ويتحركون بمراكش على شكل مجموعات تضم نساء وأطفالاً ورجالاً من دون مأوى، علماً أنهم من دون عمل ولم يعد بإمكانهم توفير أدنى شروط العيش مع سريان حالة الطوارئ الصحية»، يقول لجريدة «القدس العربي»، عمر أربيب، عضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، فرع مراكش.

ومثل العديد من المغاربة، يعمل معظم المهاجرين في الاقتصاد غير الرسمي، كتنظيف المنازل أو العيش على التسول، وغير ذلك من أنشطة أخرى، ولكن كل شيء تغير مع حالة الطوارئ؛ إذ «لم يعد بإمكانهم القيام بالأنشطة التي اعتادوا القيام بها قبل الآن».

ويؤكد الحقوقي سعيد الطبل: «غياب هذه الفئة من الفئات التي يمكن أن تستفيد من برامج الدعم نظراً لعدم توفرهم على وثائق، ولحد الساعة لم يتضح بعد كيف ستستجيب هذه البرامج لأوضاعهم، خصوصاً أن عدداً كبيراً يعيش في تجمعات خارج المدن أو قرب المحطات الطرقية أو في الشوارع وأصبحت الآن فارغة».

ويشدد الطبل على «ضعف المساعدات المقدمة من منظمات المجتمع المدني وخصوصاً المفوضية السامية للاجئين التي من المفروض أن تكثف عملها تفادياً لخطر تفشي المرض في هذه التجمعات أو في الأحياء التي يسكنونها، ما قد يعمق الممارسات العنصرية ضدهم».

وتطالب «الجمعية المغربية لحقوق الإنسان»، حسب ما قاله اربيب، بـ»حل استعجالي لمهاجري دول جنوب الصحراء، حفاظاً على سلامتهم وأمنهم من الجائحة، وحقهم في التمتع بالخدمات بما فيها الحماية من كوفيد-19، عبر إدماجهم في كل مخططات الحماية الاجتماعية والرعاية الصحية، وتمتيعهم دون تمييز أو وصم بظروف الحماية الإنسانية في هذه الظرفية العصيبة، ضماناً للحقوق وتفعيلاً لإنجاح الحجر الصحي السليم والوقائي من انتشار الفيروس».

استحالة عبور المغرب

معظمهم غير نظاميين في المغرب، لأنهم يعتبرونه بلد عبور نحو القارة العجوز، ولكن في زمن «كورونا» فإن الحقيقة أن عدم حصولهم على الإقامة سيتركهم في الوقت الحالي خارج المساعدات الحكومية للعمال في الاقتصاد غير الرسمي.

وفي بواكير حالة الطوارئ الصحية بالمغرب للحد من انتشار وباء «كورونا» المستجد، لم تدرج السلطات المغربية «أوضاع المهاجرين غير النظاميين، والذين لا وثائق لهم، في الأشخاص الممكن احتسابهم في التصريح بالتحرك أو التنقل وفق وثيقة معينة»، يقول الطبل.

وبالإضافة إلى ذلك، فإنه يكون من الصعب أيضاً من دون الإقامة الحصول على إذن «استثنائي» لمغادرة المنزل، حتى ولو للذهاب للتسوق أو الذهاب إلى الطبيب، فما بالك بالسفر إلى المدن الحدودية، لمن يرون بلل مياه المحيط أكثر أماناً من يباس الأرض.

مهاجرة تركت ابنتها مع والدتها في غينيا وسافرت مع ابنها الآخر البالغ من العمر ثماني سنوات إلى المغرب، وصلت إلى البلاد قبل ثلاث سنوات، وبعد فترة وجيزة حصلت على الإقامة المغربية. حظها كقلة آخرين، فهي الآن تتقاسم شقة مع مهاجرين آخرين وتعمل في منظمة غير حكومية، تقول عن الوضع في ظل الجائحة العالمية: «إنه وضع صعب للغاية، وتتصل بي العديد من النساء لطلب الطعام لأنفسهن وأطفالهن»، مضيفة أنه منذ حالة الطوارئ «لم يتمكن الكثير من التسول في الشوارع وبقوا من دون لقمة عيش».

ويعتبر الطبل أن «الأشخاص الذين هم في وضع ضعيف يخرجون من الأزمة بنفس الوضع، فهذا أمر يتم بشكل غريزي، ولكنهم سيجدون المزيد من الصعوبات»، ويضيف أنه إذا كانت الحدود بالفعل منطقة خطيرة، فإنها «الآن ستكون أكثر خطراً» لأن هناك المزيد من السيطرة وللوصول إلى أوروبا، وعلى المهاجرين عبور المغرب والوصول إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط، وهناك عليهم قطع اليم في زوارق الموت أو إلى سبتة ومليلية بالقفر من أعلى السياج الشائك.

كل هذه الخطط تبدو الآن مستحيلة تقريباً في لحظة يعيش المغرب فيها حالة طوارئ صحية، «حالياً غير ممكن، كل شيء متوقف إذا كنت تريد أن تذهب شمالاً»، تؤكد دياكو.

ومن حسنات الجائحة على هولاء المهاجرين، وفق الحقوقي الطبل، انتهاء «وضعية اللا استقرار» التي كانت تميز الفترة ما قبل جائحة «كورونا» التي «تتجلى في تحويل المهاجرين من المدن الشمالية إلى المناطق الجنوبية وبكل أساليب التعسف والفوضى، في حملات التشتيت في مختلف المدن، وفي بعض الأحيان نحو مدن وسط البلاد، وفي غالبية الأحيان إلى الجنوب الشرقي بواسطة الحافلات، والتخلي عنهم في مداخل المدن».

قلة وصول المهاجرين

ومن حسنات «كورونا» أيضاً على دول العبور والوصل التي تعاني من تدفقات الهجرة غير النظامية، أن عددها انخفض. وعدد المهاجرين الذين وصلوا بشكل غير نظامي إلى إسبانيا بالقوارب انخفض حتى الآن من العام 2020 بنسبة 20.5 في المئة مقارنة بالعام الماضي، وفقاً لبيانات وزارة الداخلية الإسبانية التي قالت إنه خلال الشهور الثلاثة الأولى من سنة 2020، وصل 4082 مهاجراً عن طريق البحر، وهو أقل بنسبة 20.5 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، عندما وصل 5134 مهاجراً.وتضاف محاولة القفز الجماعي لمهاجرين شارك فيها حوالي 260 مهاجراً من دول جنوب صحراوي يوم السادس من الشهر الحالي، تمكن منهم نحو حوالي 50 شخصاً من العبور.

وتقول المنظمة الدولية للهجرة، التابعة للأمم المتحدة: «في الوقت الحالي ليس لدينا بيانات تشير إلى أن المهاجرين لا يعبرون خوفاً من الوباء، لكن الأرقام منخفضة بشكل عام».

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق