فاقت انعكاسات الضربات الموجعة التي تلقاها الاقتصاد الوطني بفعل تداعيات الأزمة الوبائية كوفيد 19، كل توقعات الحكومة التي اضطرت للمرة الثانية في ظرف وجيز، إلى مراجعة معدل النمو المنتظر هذا العام والذي سيتراجع بمعدل ناقص 5.8 ٪عوض 5 ٪ التي تضمنها قانون المالية المعدل قبل أشهر قليلة وذلك نتيجة تفاقم الحالة الوبائية.
وتفيد البيانات التي قدمها وزير الاقتصاد والمالية محمد بنشعبون، أمام لجنة المالية أمس بالبرلمان، أن اقتصاد البلاد يجتاز فترة عصيبة، تتمثل في تدهور حاد لجميع مؤشرات النمو، وهي وضعية قد تزداد تدهورا خلال الشهور القادمة وترزح بكامل ثقلها على مشروع قانون المالية لسنة 2021.
وأكد الوزير أن الإطار الماكرو-اقتصادي سيشهد تدهورا مقارنة سواء مع التوقعات ا لأولية أو مع السنة الماضية تحت تأثير جائحة كوفيد- 19، وتبقى هذه التوقعات محفوفة بمخاطر مرتبطة بتطور هذه الأزمة خلال الأشهر القادمة
وبناء على توقع انخفاض بنسبة 5 ٪ في الناتج الداخلي الخام، وليس 5.8 ٪، فإن عدد المغاربة الذي سيفقدون مناصبهم هذا العام يتعدى 308 ألاف شخص، إذ من المنتظر فقدان ما يناهز 227 ألف منصب شغل في القطاع غير الفلاحي و 78 ألف في القطاع الفلاحي مما من شأنه أن يرفع معدل البطالة إلى حدود 13 ٪ عوض 9,2 ٪ المسجل سنة 2019 .
ولمواجهة هذا الوضع غير المسبوق، سيكون على الحكومة بذل مجهود إضافي لتعبئة الموارد المالية الكافية وذلك على الرغم من التدهور الحاد لمداخيل الخزينة التي سجلت إلى حدود الشهر الماضي، تراجعا بحوالي في 13.8 مليار درهم مقارنة مع سنة 2019..
وحسب الوزير بنشعبون، فإن سنة 2021 ستكون حافلة بالرهانات المرتبطة أساسا بتفعيل التوجهات الملكية السامية المتضمنة في خطاب العرش، والمتمثلة في إطلاق خطة إنعاش الاقتصاد الوطني، وتعميم التغطية الاجتماعية وإصلاح القطاع العام. هذا موازاة مع إعطاء الأولوية لقطاعي الصحة والتعليم، ومواكبة الجهوية، واصلاح ورش التقاعد، وذلك بهدف توفير الظروف المواتية لتحقيق الإقلاع المنشود في مرحلة ما بعد كوفيد- 19.
وفي وقت تشهد فيه موارد الخزينة انكماشا مستمرا، سيكون على الحكومة التي تعهدت بتنزيل التعليمات الملكية، تعبئة غلاف مالي ضخم يقدر بحوالي 33.2 مليار درهم، حيث تبلغ الكلفة الإجمالية لتفعيل تعميم نظام التغطية الصحية الإجبارية ابتداء من سنة 2021، وعلى مدى سنتين، حوالي 13.829 مليون درهم ، منها 5.366 مليون درهم سيتم تمويلها في إطار النظام المساهماتي. و8.462 مليون درهم ستتكلف الدولة بتمويلها في إطار النظام غير المساهماتي، وهو ما يعني ضرورة تعبئة 4.2 مليار درهم برسم سنة 2021.
أما إعطاء الأولية لقطاعي الصحة والتعليم فسيكلف الحكومة، أزيد من 5 ملايير درهم إضافية، وذلك من أجل إحداث 5500 منصب شغل في قطاع الصحة ( أي بزيادة 1500 مقارنة مع 2020) و إحداث 17 ألف منصب مالي في قطاع التعليم، بزيادة 2000 منصب مقارنة مع العام الجاري. وفي نفس الاتجاه قررت الحكومة رفع ميزانية الاستثمار في قطاع الصحة بأكثر من 850 مليون درهم، ورفع ميزانية الاستثمار في التعليم بأزيد من 528 مليون درهم.
بالإضافة إلى ذلك، قررت الحكومة تخصيص مبلغ يناهز 13.6 مليار درهم كنفقات إضافية غير قابلة للتقليص، تتوزع بين 8.5 مليار درهم برسم كتلة الأجور وتنفيذ توصيات الحوار الاجتماعي، وتسوية الترقيات… وكذا 2 مليار درهم برسم تحملات المقاصة، مع افتراض أن يبلغ متوسط سعرغاز البوتان 350 دولارا للطن، و800 مليون درهم لتجديد سيارات الأجرة في إطار التدابير المواكبة ، ثم أخيرا تخصيص 1.6 مليار درهم لفائدة الجهات في إطار تنزيل الجهوية المتقدمة.
ومن بين أهم بنود القانون المالي المقبل، قرار تطبيق الحكومة للزيادة في الاقتطاعات الخاصة بنظام المعاشات ، حيث من المنتظر أن ينخفض رصيد احتياطات نظام المعاشات المدنية الذي يصل حاليا 70.65 مليار درهم، إلى 54.21 مليار درهم في حدود 2022 ، ليبلغ الحد الأقصى المسموح به قانونيا، أي ما يعادل سنتين من التعويضات، وهو ما يس تدعي الزيادة في نسبة الاقتطاعات لتصل 39٪ عوض 28٪ حاليا.
ويتوقع مشروع قانون المالية المقبل أن يتفاقم عجز الميزانية وهو ما يعني تفاقم معدل المديونية، مما يهدد التوازنات المالية للبلاد، وهو ما يحتم على الحكومة اتخاذ التدابير اللازمة لضمان استدامة التوازنات المالية، وتوفير الهوامش الضرورية لإطلاق الإصلاحات الهيكلية الكفيلة باستشراف أفاق الإقلاع في مرحلة ما بعد الأزمة.
وتراهن الحكومة على أن يسجل نمو الاقتصاد الوطني خلال سنة 2021 انتعاشا بنسبة + 4.8 ٪ لكن دون التعويض الكلي للانكماش الاقتصادي لسنة 2020 ، كما ينتظر ارتفاع القيمة المضافة الفلاحية بنسبة 11 ٪ تحت فرضية تسجيل محصول زراعي في حدود 70 مليون قنطار .

المصدر: الإتحاد الإشتراكي